حذر حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي في المغرب، الثلاثاء، من خطورة الدعوات إلى المناصفة في الإرث، واصفاً تلك الدعوات بأنها "جرأة غير مسبوقة (..) ستزعزع استقرار الأسرة والتماسك الاجتماعي، وستهدد استقرار الدولة المغربية".
ويأتي التحذير الذي أطلقه حزب "العدالة والتنمية " المعارض، في وقت تتزايد فيه المطالبات النسائية والحقوقية بإقرار المساواة بين الجنسين بشكل يوائم التحولات التي تشهدها البلاد، مشيرين إلى أن النظام الحالي يشتمل على ظلم المرأة، وينتزع جزءاً من حقوقها.
ويعيش المغرب منذ توجيه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في 31 يوليو/ تموز الماضي، بمراجعة مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) لتجاوز الاختلالات التي اعترت بعض بنودها، نقاشاً حول العديد من التعديلات التي يتعين إدخالها على المدونة، جراء الاختلاف حول مرجعية التعديلات المرتقبة، بين أحزاب وجمعيات ترى أن "المرجعية الإسلامية" ضرورية في أي تغيير، وأخرى تؤكد على وجوب احترام حقوق الإنسان والخيار الديمقراطي، وتنادي بـ"الاجتهاد المتنور".
وكان العاهل المغربي قد أكد في خطاب جلوسه على العرش في نهاية يوليو الماضي، على أنه بصفته "أميراً للمؤمنين، لن يحل أبداً ما حرم الله، ولن يحرم أبداً ما أحله الله لاسيما الأمور التي تؤطرها نصوص قرآنية قاطعة"، داعياً إلى أن تكون التعديلات في إطار الشريعة الإسلامية، ووفقاً للاجتهادات التي يتوافق عليها أهل العلم.
ومن شأن إطلاق الحزب، الذي قاد الائتلاف الحكومي السابق في المغرب، لتحذيرات بخصوص دعوات الإنصاف في الإرث، أن يفتح خلال الأيام القادمة، صراعاً جديداً بين الإسلاميين والحداثيين على مدونة الأسرة التي تثير نصوصها حساسية كبيرة في المملكة، يذكر بما عاشه المغرب في عام 2004 حول "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية".
إلى ذلك، اعتبر حزب "العدالة والتنمية " أن الدعوات إلى المناصفة في الإرث تأتي "ضداً على النص القرآني الصريح المنظم للإرث، وضداً على مقتضيات دستور المملكة، وفي تحد صارخ للإطار الواضح والثابت الذي حدده جلالة الملك أمير المؤمنين حفظه الله في سياق حديثه حول مدونة الأسرة".
وعبّر الحزب عن إدانته القوية لما سماها بالدعوات الشاردة إلى المناصفة في الإرث، معتبراً، في بيان صدر اليوم عن اجتماع أمانته العامة، أنها تشكل "جرأة غير مسبوقة وتحدياً صارخاً للآيات القرآنية الصريحة للمواريث".
وأوضح أن آيات الإرث هي "آيات قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، وتؤكد أن سماحة الإسلام لا تسمح بأي حال بتجاوز هذه الآيات ولا بالاجتهاد في أمور محسومة بنصوص قرآنية قطعية"، معتبراً أن الدعوات للمناصفة في الإرث "خروج عن الإجماع الوطني والثوابت الجامعة للأمة المغربية، كما حددها الدستور المغربي الذي ينص على أن المملكة المغربية دولة إسلامية، وأن الإسلام دين الدولة، وأن الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها".
وزاد الحزب من انتقاداته لدعوات الإنصاف في الإرث، واصفا إياها بأنها "شاردة وغريبة عن قناعات المجتمع المغربي المسلم وانتظاراته الحقيقية، فضلا عن كونها مرفوضة لدى المجتمع"، محذرا من أنها "تشكل خطوة خطيرة ستؤدي إلى زعزعة نظام الأسرة المغربية وضرب أحد مرتكزات السلم الاجتماعي والأسري ووضعه على سكة المجهول، وتهديدا للاستقرار الوطني المرتبط بما استقر عليه نظام الإرث في المجتمع المغربي طيلة أزيد من 12 قرنا".
ورأى الحزب في تلك الدعوات" خطوة يائسة وتطبيقاً لأجندات خارجية"، و"تحديا صارخا لاستقلال القرار الوطني وانتهاكاً فجاً للسيادة الوطنية لفرض نموذج غريب للأسرة قائم على الانحلال والصراع والتفكك، وفرض منطق مادي وإباحي فرداني لا يعير للأسرة القائمة على الزواج الشرعي أي اعتبار".
وبينما حذر الحزب مما سماه "الخطورة الكبيرة لمثل هذه الدعوات -من حيث يدري أصحابها أو لا يدرون- ليس على الأسرة المغربية فقط، بل على الدولة والأمة المغربية كلها، لكون مثل هذه الدعوات وفضلا عن كونها ستخلق الفتنة وستؤدي إلى تقويض التماسك الأسري والاستقرار المجتمعي"، اعتبر أن الهدف الأساسي وغير المعلن لتلك الدعوات، "يبقى هو المس بقدسية النص القرآني وتحطيم سمو الشريعة الإسلامية، وهو ما سيؤدي لا قدر الله إلى تخريب أسس نشوء واستمرار ووحدة واستقرار الدولة المغربية القائمة على الدين الاسلامي السمح والبيعة لولي الأمر وإمارة المؤمنين، وهما الأساسان المرتبطان بالنص القرآني وبالشريعة الإسلامية".
وكان استطلاع للرأي أجرته جمعية "نساء المغرب للبحث والتنمية" (غير حكومية)، وتم الكشف عنه في 14 يونيو/ حزيران الماضي، أفاد بوجود تقارب بين المؤيدين والمعارضين لتعديل مقتضيات مدونة الأسرة بشأن نظام الإرث، إذ رفض 44 في المائة من بين 1200 مستطلع التعديل، في حين أيده 36 في المائة منهم.
وكشفت دراسة أجري بموجبها الاستطلاع، أن 82 في المائة من المستطلعة آراؤهم يؤيدون حق حصول الفتاة على نصف ميراث الذكور مستندين إلى القاعدة الدينية، وهو أيضا ما أكدته 73.6 في المائة من الأسر التي ليس لديها ذكور.
وخلصت الدراسة إلى أن تعليم المواريث في المدارس هو المصدر الأول لمعارضي نظام الميراث، داعية إلى إلغاء قاعدة حق منح الفتاة نصف ميراث أخيها، وإلغاء ما يعرف بـ"الإرث بالتعصب" الذي لا يسمح بموجبه لفتاة أو مجموعة فتيات بالتمتع بكامل تركة الوالدين.
وحول الدعوة إلى منع التوريث على أساس الاختلاف في العقيدة، أكد 52 في المائة ممن شاركوا في الدراسة تأييدهم منع التوريث بين المسلم وغير المسلم، وأرجع 87.4 في المائة من هؤلاء موقفهم إلى ما قالوا إنه "أصول دينية".