يُعرف المغرب منذ مدة طويلة باعتباره نقطة انطلاق رئيسية تجذب المهاجرين الأفارقة الذين يسعون إلى بلوغ الشواطئ الأوروبية عبر البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي، أو عن طريق سياج مدينتي سبتة ومليلية، غير أن تزايد تدفق المهاجرين في الفترة الأخيرة يزيد التحديات أمام السلطات المغربية.
ويعتبر المغرب محطة استقرار مؤقتة للعديد من المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، والذين يبقون لما يزيد عن السنتين على أراضيه، بحسب دراسة أنجزتها الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة بالتعاون مع اللجنة الدولية من أجل تنمية الشعوب.
وكان لافتاً، خلال الأيام الماضية، تكثيف السلطات المغربية عمليات التصدي لمحاولات الهجرة السرية، إذ تمكنت، في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، من تفكيك شبكة دولية تنشط في تنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر في مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، وتوقيف ثلاثين مهاجراً يحملون جنسيات أجنبية، من بينها الهند وبنغلادش وباكستان.
وفي ليلة رأس السنة الميلادية، تمكنت وحدات تابعة للقوات المسلحة الملكية، بالتنسيق مع مصالح الأمن والسلطات المحلية، من تنفيذ عمليات اعتراض لمهاجرين في مدن الناظور والمضيق والفنيدق (شمال)، ما أدى إلى توقيف أكثر من 1000 شخص.
ووفق آخر إحصائيات وزارة الداخلية المغربية في 23 يناير الماضي، تمكنت السلطات الأمنية من إحباط 75 ألفا و184 محاولة للهجرة السرية خلال عام 2023، مشيرة إلى ارتفاع بنسبة 6 في المائة مقارنة مع أرقام عام 2022، وبحسب المعطيات الرسمية، تزايد أيضاً عمل شبكات الاتجار بالبشر، إذ جرى تفكيك 419 شبكة إجرامية متخصصة في هذه العمليات، بنسبة زيادة تقدر بـ44 في المائة مقارنة مع أرقام عام 2022، كما أن تلك الشبكات تعمل باستمرار على تطوير استراتيجياتها وأنشطتها الإجرامية.
وفي ظل محاولات مواجهة موجات الهجرة السرية وشن عمليات أمنية لاعتقال المتورطين فيها، كان لافتاً تحذير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (حكومي)، في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من أن "إجهاض قوات الأمن محاولات الهجرة السرية سيؤدي إلى بروز أشكال جديدة لتنظيم عمليات الهجرة، ما قد يتسبب في حدوث مآس إنسانية".
ويقول رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية) إدريس السدراوي، لـ"العربي الجديد"، إن "أعداداً متزايدة من المنتمين إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء، أو دول الساحل الأفريقي، أصبحوا ينتقلون إلى دول المغرب العربي باعتبار أنها نقطة عبور أساسية نحو السواحل الأوروبية، لكن مع مرور الوقت وتضييق الخناق عليهم، فضلاً عن استمرار وقوع الحوادث المميتة، أصبح المغرب بلد استقرار للمهاجرين".
ويرى الناشط الحقوقي أن لعمليات الهجرة السرية تأثيرات متنوعة على مستويات اجتماعية واقتصادية، بعضها إيجابية وغالبيتها سلبية، وأن هذه التأثيرات تمس بأمن المغرب واستقراره عبر ظهور أزمات مثل العنف الاجتماعي، وما يتبعه من انتقادات دولية وأممية لرد فعل السلطات حياله، فضلاً عن تزايد حالات الاتجار بالبشر والعصابات، وظهور المافيات.
ويلفت السدراوي إلى أن للهجرة السرية أيضاً تأثيرات اقتصادية، من بينها نقص العمالة الماهرة، خصوصاً العمالة الفلاحية، وتحمل الكلفة المالية لتسوية أوضاع بعض المهاجرين، والاستجابة لما تقتضيه مراقبة الهجرة السرية انطلاقاً من الشواطئ المغربية على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، إضافة إلى تحديات مواجهة مافيات تهريب المخدرات التي تدمج أحياناً بين نشاطي المخدرات والهجرة السرية، ما يدر عليها أرباحاً خيالية يجعلها تتمكن من استخدام آليات متطورة يصعب رصدها.
ويرى أن "أوروبا مطالبة باتباع مقاربة إنسانية لملف الهجرة السرية، كونها مسؤولة تاريخياً عن تفشي الفقر، وعن فساد الأنظمة، واستمرار الحروب في قارة أفريقيا، والتي تبقى عوامل رئيسية تؤدي إلى تزايد الهجرة، في حين أن محاولة جعل المغرب (دركياً لحماية أوروبا) لن تنجح، وينبغي التعامل مع الأمر في سياق مقاربة شمولية".
بدوره، يؤكد الخبير في شؤون الهجرة رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان شكيب الخياري أن "تدبير الهجرة السرية في حالة المغرب يعترضه العديد من المشكلات، فالبلد الذي كان يعتبر سابقاً نقطة عبور نحو أوروبا، أضحى بلد استقبال أيضاً"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الاحتلال الاسباني لكل من مليلية وسبتة وجزر مناطق الشمال يعتبر عنصر جذب رئيسي لهؤلاء المهاجرين، على اعتبار أن وضعها القانوني لا يخول السلطات الإسبانية ترحيل كافة المهاجرين باتجاه المدن المحاذية للمعابر في المغرب".
ويلفت الخياري إلى أن "سوء الأوضاع في البلدان الأصلية، خصوصاً بالنسبة للمهاجرين المتحدرين من بلدان جنوب الصحراء، يرفع بشكل مستمر من تدفق المهاجرين، ولا يخول الواقع في جميع الحالات الحصول على حق اللجوء، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالهجرة لأسباب اقتصادية، والموقع الاستراتيجي للمغرب يؤدي إلى أنه من غير الممكن وضع حد للهجرة السرية، سواء إلى المغرب، أو عبر أراضيه إلى أوروبا، وعلى الاتحاد الأوروبي استيعاب فكرة أنه ساهم، ولا يزال يساهم، في سوء الأوضاع في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وأن عليه بالتبعية أن يتحمل التكلفة المادية للتعامل مع مكافحة الهجرة السرية".
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات المغربية قامت بتسوية أوضاع أكثر من 50 ألف مهاجر، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، خلال عمليتين استثنائيتين في عامي 2014 و2016 لإدماج المهاجرين المقيمين بصورة غير قانونية، وخلال الأشهر الأولى من عام 2023، سُوّيت أوضاع نحو 2300 مهاجر، وفقاً لأرقام وزارة الداخلية.