ما زال النازحون يُعَدّون من بين الفئات الأشدّ ضعفاً، لا بل أضعفها، في اليمن. وتتفاقم حال هؤلاء اليمنيين مع حلول فصل الشتاء، فالتشرّد، معطوفاً على البرد، يُسهم في مضاعفة مأساتهم.
دفع التصعيد العسكري الذي تشهده محافظتا مأرب والحديدة اليمنيّتان عشرات آلاف النازحين إلى العراء مجدداً، فبدأوا رحلة تشرّد نحو سلاسل جبلية وصحارٍ قاحلة توفّر لهم أماناً ما، يفتقدونه بشدّة منذ مطلع العام الماضي. وفي ظلّ مؤشرات موجة تصعيد أوسع، وخصوصاً مع تصميم الحوثيين على اقتحام مدينة مأرب التي تضمّ أكبر تجمّع للنازحين على مستوى اليمن، يجد هؤلاء أنفسهم ما بين غد مجهول وصقيع شتاء لا يرحم أجسادهم.
وتفيد تقارير حكومية بأنّ المعارك المشتعلة في أطراف مدينتَي مأرب والحديدة أجبرت نحو 120 ألفاً على النزوح في خلال الشهرَين الأخيرَين فقط، وشهدت مواقع النزوح التي تبلغ 137 في داخل مأرب زيادة بنحو عشرة أضعاف. وخلافاً للساحل الغربي حيث سُجّلت موجة نزوح طارئة سبّبتها قرارات عسكرية مفاجئة للحكومة، يبدو الوضع الإنساني في مأرب متدهوراً جداً، مع اضطرار آلاف الأسر إلى النزوح نحو سبع مرّات في خلال عام واحد، وذلك مع التغيّر المتسارع لخطوط المواجهة الأمامية، ابتداءً من رحبة وحريب والجوبة، وصولاً إلى مديرية الوادي. وبما أنّ الوضع ليس مطمئناً بما فيه الكفاية، فضّلت أسر نازحة من مديريات جنوبي مأرب اللجوء إلى الصحاري البعيدة.
ويشير عاملون في مجال الإغاثة بمأرب لـ"العربي الجديد" إلى أنّ آلاف النازحين استقرّوا هذه المرة في صحراء العبر شرقي محافظة حضرموت، وكذلك في مديرية القطن، فيما اتّجهت الأسر الميسورة نحو سيئون. ويؤكد هؤلاء العاملون أنّ الطاقة الاستيعابية لمخيّمات النزوح في مأرب فاقت قدرتها الاستيعابية، على الرغم من المخاطر التي تهدّد النازحين من جرّاء القصف المستمر، وهو ما جعل السلطات بالتعاون مع منظمات محلية ودولية تستحدث مناطق نزوح جديدة في مأرب الوادي.
وبحسب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيّمات النزوح في مأرب، يعيش النازحون الجدد ظروفاً سيئة جداً، إذ قد تتشارك أسر عدّة خيمة صغيرة لا توفّر الحدّ الأدنى من احتياجاتها، وهو ما يفوق قدرة الوحدة الحكومية على القيام بتدخّلات كاملة لمواجهة الانفجار الحاصل. وكشفت الوحدة عن نزوح نحو 200 أسرة من أطراف مأرب والبيضاء وشبوة إلى مديرية العبر في حضرموت في شهرَي أكتوبر/ تشرين الأوّل ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيَين، فيما نزح ثلاثة آلاف و450 شخصاً نحو مدينة عتق في شبوة، و657 نحو مديرية القطن في حضرموت. وتعيد الوحدة في تصريح لـ"العربي الجديد"، السبب في النزوح صوب هذه المواقع الجديدة، إلى "رغبة الأسر النازحة في الحصول على استجابة إنسانية أكبر من المنظمات، لا يستطيعون الحصول عليها في داخل مدينة مأرب التي تشهد انفجاراً هائلاً في أعداد النازحين".
بعيداً عن مأرب، كانت رقعة النزوح في اليمن تتّسع في خلال الأسابيع الأخيرة من جرّاء المستجدّات العسكرية التي شهدها الساحل الغربي وإخلاء القوات الموالية للحكومة مواقعها حول مدينة الحديدة وإعادة انتشارها على بعد نحو 90 كيلومتراً، ما جعل الحوثيين يتقدمون إلى تلك المناطق، فسبّب ذلك موجة نزوح جديدة. ويؤكد المسؤولون في الوحدة أنّ أكثر من 1500 أسرة نزحت من مناطق مختلفة جنوبي الحديدة إلى مدينة الخوخة، فيما قصدت أكثر من 500 أسرة مديرية المخا التابعة لمحافظة تعز.
حاولت المنظمات الدولية تنفيذ استجابة فورية. وبحسب ما يفيد مصدر إغاثي لـ"العربي الجديد"، أُنشئ موقع جديد للنازحين في مديرية الخوخة بقدرة 300 خيمة فقط، فيما تجري الترتيبات لإنشاء مخيّمات جديدة في الساحل الغربي. وتعمل وكالات الإغاثة على توزيع أطقم مطبخ ومصابيح وفرش نوم وأوعية مياه في المخيّمات الجديدة حتى تساعد الأسر المشرّدة على الطهو والنوم والغسيل والتنظيف. لكنّ المصدر يتحدّث عن "قصور كبير، إذ تشهد بعض المخيّمات ازدحاماً هائلاً، ويقطن نحو 40 شخصاً في خيمة واحدة، وهو ما يسبب تفشّي أمراض".
في سياق متصل، جاء في تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية صدر في الأوّل من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنّ النزوح الجديد أدّى إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية، فيما تُعَدّ الأمراض، مثل الإسهال المائي الحاد والملاريا والتهابات الجهاز التنفسي العلوي، شائعة بين النازحين حديثاً. وهذا ما يزيد من الحاجة الملحة إلى تعزيز خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في مواقع النزوح الجديدة.
وليست القذائف الخطر الوحيد الذي يتهدّد مجتمعات النازحين اليمنيين. ففي محافظة مأرب الواقعة على تضاريس جبلية وصحراوية، يبدو الشتاء عدواً طارئاً اليوم، ويزيد من متاعب الأسر المشرّدة في العراء، خلافاً لما يحدث في بلدات الساحل الغربي حيث لا تسجّل درجات الحرارة فيها انخفاضاً كبيراً. ومطلع الشهر الماضي، انخفضت درجة الحرارة الصغرى في محافظتَي مأرب والبيضاء إلى سبع درجات مئوية. وعلى الرغم من أنّ البرد القارس الذي تشهده محافظات شمالي البلاد، خصوصاً صنعاء وذمار، حيث سُجّلت درجة مئوية واحدة أوّل أيام ديسمبر الماضي، فإنّ ذلك لا يقارن بحالة من يقطن في مخيّمات لا تتوافر فيها وسائل تدفئة.
وتخشى السلطات اليمنية من أن يؤدّي الصقيع إلى وفاة أطفال أو كبار في السنّ بمخيّمات النزوح بمأرب كما حصل في السابق، ولا سيّما أنّ المنظمات الدولية لم تُدرج مأرب من ضمن برامج تدخّلات فصل الشتاء، وفقاً لمسؤول في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيّمات النازحين. وعلى الرغم من الوعود بإدراج مدينة مأرب ومديرية مأرب الوادي من ضمن خطط فصل الشتاء الحالي، فإنّ ذلك لم يتحقق حتى اللحظة. وبحسب الوحدة، فإنّ مستلزمات الإيواء التي صُرفت من فرش وبطانيات هي رديئة جداً ولا تناسب حتى فصل الصيف بالنسبة إلى الأشخاص الذين يقطنون في مخيّمات.