تعيش الدنمارك هذه الأيام على وقع مقترحات لحزب الشعب الدنماركي المتطرف بشأن مسلمي البلد. إذ تحت عنوان "وقف الأسلمة"، يحاول الحزب الدفع بـ14 مقترحاً إلى البرلمان للمصادقة عليها، بحجة "الكفاح للحفاظ على مسيحية البلد".
وفي المقترحات المثيرة للجدل التي طرحها رئيس الحزب، كريستيان ثولسن دال، والقيادية فيه، ماريا كاروب، يتم تحضير قضية "صهر المسلمين في المسيحية الدنماركية"، كعنوان رئيس لتبني هذا الحزب نهجاً أكثر تشدداً ومحاولته للظهور كـ"حارس للقيم والثقافة المسيحية"، في بلد لا يقيم وزناً في الأصل للمسائل الدينية في السياسة. تطرّف حزب "الشعب" في مواقفه، وصل به إلى اقتراح قضايا تتجاوز سياسات وخطاب أقصى اليمين المتطرّف في دول أوروبية أخرى. ومن بين أكثر المقترحات إثارة للجدل، "لا تحلم أن تحصل على جنسية دنماركية إذا لم تتزوج دنماركي/ة".
المقترح لم يثر استغراب الصحافيين والمعلّقين فقط، بل أثار حماسة زعيمة حزب "البرجوازية الجديدة" المتشدّد، بيرنيلا فيرموند، بشرط ضمان ألا "يصيب المقترح أشخاصا آخرين (غير المسلمين)"، ولأنه يترافق مع مقترح استبدال بند الاندماج بـ"الانصهار"، حيث يتوافق الحزبان على فرضه على المواطنين المسلمين.
فحزب" الشعب" وقبل يوم واحد من مؤتمره السنوي، فجّر مفاجآت، بحسب وكالة الأنباء الدنماركية والصحافة المحلية، اليوم الجمعة، بدعوته إلى "تكثيف الصراع الثقافي المسيحي من خلال التبشير بين المسلمين المتواجدين في البلد". وبحسب زعيم الحزب، ثولسن دال، لأجل "مناهضة الأسلمة سنرتقي بسياسة الهجرة في الدنمارك إلى مستوى آخر، ولدينا 14 مقترحاً للمناقشة غداً".
ويعتبر الحزب أنّ الدنمارك في حالة "نضال ثقافي"، وأنّه على السياسيين المشرّعين انتهاج سياسة صارمة، "إذ يجب أن نكون أكثر وضوحاً بشأن ثقافتنا، ولا تكفي سياسات التشدّد في الدمج والترحيل، بل يجب التأكّد من تبني، من لا نستطيع التخلص منهم، الثقافة القائمة على المسيحية، وبالتالي علينا تشديد الخناق للحفاظ على بلدنا"، بحسب ما نقلته "بيرلنغسكا" عن ثولسن دال، صباح اليوم الجمعة.
ويبني زعيم حزب "الشعب" مقترحاته على "توقّعات" نمو أعداد المسلمين، معتبراً أنّه "رغم سياسات الهجرة الصارمة، سنجد أجزاء من الدنمارك تتغيّر هويتها بحيث يصعب التعرّف عليها، وعلينا الكفاح لأجل أن تبقى الدنمارك دنماركية، ولو بعد 100 عام".
أهم نقاط التشدد: التبشير وفرض التعاليم المسيحية
وفي سبيل ذلك، يقترح الحزب، من بين أشياء أخرى، من أجل استهداف المواطنين ذوي الخلفية الإسلامية، "وقف بناء المساجد وحظر ارتداء أغطية الرأس الإسلامية في المؤسسات والمدارس والمستشفيات، وإلغاء ما يسمى بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان". ومن بين النقاط الأربع عشرة التي اقترحها، يتوعّد الحزب "منع التعبير عن الرأي الديني في المجال العام" و"فرض تعليم الدين المسيحي على أطفال المسلمين، ومنع إعفاء هؤلاء من الحصص في المدارس"، ولأنه فشل سابقاً بمنع الذبح الحلال، بسبب المعارضة اليهودية له، يريد الحزب فرض "ملصقات عن طريقة ذبح اللحوم".
وتمضي النقاط المقترحة في التشدّد حدّ "وضع خارطة بأعمال التبشير في البلد، بحيث يجري التركيز على منظمات مسيحية تعمل بين المهاجرين واللاجئين، وجعل التعليم المسيحي إلزامياً في المدارس الابتدائية والإعدادية والدراسات الشبابية". ويركّز الإعلام على مقترح الحزب المثير للجدل بشأن منع منح الجنسية للمسلمين والمسلمات، إذا لم يتزوّجوا من دنماركيين، وهو ما أثار حفيظة خبراء قانونيين وحقوقيين. إذ اعتبر "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" أنّ فرض ذلك، يعني "انتهاكا لمعاهدات حقوق الإنسان الأوروبية، وهذا غير قابل للتطبيق مع الالتزامات الحالية في الاتفاقية الأوروبية للمواطنة"، وفق تصريح كبيرة الباحثين في المركز، إيفا إرسبول، للصحافة.
وينتقد الحزب، على لسان القيادية فيه، ماريا كاروب، ما يُعرف في الدنمارك بحيادية السياسة والتعليم الديني، معتبرة أنّ "ادعاءات البعض عن الحيادية بسبب الحرية في الدنمارك لا تصمد، إذ لا يوجد حيادية في هذا العالم، والدنمارك بُنيت على أسس وقيم مسيحية". ويروّج حزب "الشعب" لفكرة أنّه هناك من يحاول تغيير واستبدال القيم الدنماركية. وقالت كاروب لـ"بيرلنغكسا"، اليوم الجمعة، "تجري محاولات استبدال قيمنا بأسس إسلامية. وإن سمحنا بذلك فإنه سيؤدّي إلى انهيارنا، لذا نحن ملزمون بمواجهة اللحظة المصيرية، وعلى هؤلاء الأجانب الذين حضروا إلى هنا وبقوا أن يستوعبوا الأمر. ولأجل ذلك، على الدنماركيين إظهار ذلك لهم بشكل عملي، فهذا صراع ثقافي مسيحي نشط ويتعلّق بكل شيء". ويوجّه الحزب، على لسان نائب رئيسه، مورتن ميسرشميت، منذ أيام، هجوماً عنيفاً على أساقفة الدنمارك ورجال الدين المسيحيين، معتبراً إياهم "متراخين مع الإسلام"، وذلك بسبب رفض الكنائس للخطاب السياسي المتشدّد ليمين الدنمارك.
أزمة انتخابية واستغلال الإرهاب
ويعيش حزب الشعب الدنماركي، الذي تأسس قبل 25 عاماً، بزعامة رئيسة البرلمان، بيا كيرسغورد، أزمة شعبية غير مسبوقة منذ العام 1997، إذ تراجعت شعبيته لصالح حزب يميني آخر، "البرجوازية الجديدة"، وتنافس المعسكر القومي المحافظ على أصوات الشارع المتذمّر منذ تفشي وباء كورونا. فاستطلاعات الرأي الأخيرة تعطي "الشعب" 5.6 في المائة، مقابل نحو 9 في المائة في انتخابات العام الماضي، وتظهر تقدماً لـ"البرجوازية" من نحو 2.4 في المائة إلى نحو 9 في المائة.
ووجد حزب "التحالف الليبرالي" (يمين وسط تقليدي)، على لسان مقرّر شؤون الهجرة والدمج فيه، هنريك دال، أنّ هذه المقترحات "تأتي بشكل واضح على خلفية الإرهاب في فرنسا والضغوط على حرية التعبير في الدنمارك، ونحن نجد أنفسنا مرة جديدة في وضع لحماية السياسات الليبرالية الديمقراطية". ورفض في المقابل مقرّر الهجرة والدمج لدى "المحافظين"، ماركوس كنوث، مقترح فرض الزواج بدنماركي/ة للحصول على الجنسية، وعبّر أكبر أحزاب يمين الوسط، فينسترا، عن أنه "لن يقدم دعمه (البرلماني) للمقترح، بحسب مقرّر الهجرة والدمج، مادس فولدا.