مع بداية موجات الحرّ التي ترتفع عادة إلى درجات عالية خلال فصل الصيف في ليبيا، اندلع حريق في مزارع تضم أشجار نخيل في مدينة "جالو" (جنوب شرق)، ما دفع نشطاء معنيون بشؤون البيئة إلى انتقاد تغاضي السلطات عن المخاطر المتكررة للحرائق الموسمية.
وأعلنت هيئة السلامة الوطنية (حكومية) أن فرقها للإطفاء في جالو، استجابت لبلاغ تلقته حول نشوب حريق في مزارع بالمنطقة، وكافحت بكل الوسائل المتوفرة لديها حتى إخماده، ثم عملت على تأمين المنطقة من المخاطر بالتعاون مع مديرية أمن جالو.
بدورها، أوضحت بلدية جالو أن الحريق نشب في مزارع، والتهم أشجار نخيل تمتدّ على مسافة نحو كيلومترين، مؤكدة تضرر 8 مزارع احتوت على نحو ألفي شجرة نخيل، ومن بينها 4 احترقت بالكامل، و4 أخرى خسائرها متوسطة، وعزت التأخر في السيطرة على الحريق إلى عدم توفر عدد كافٍ من سيارات الإطفاء، ما حصر عمليات مكافحة النيران بسيارة إطفاء واحدة.
بعد توجيه سكان المنطقة نداءات استغاثة إلى المسؤولين والسلطات الأمنية، وشركات النفط في المنطقة للمساعدة في إخماد الحريق، وفرت المؤسسة الوطنية للنفط سيارات إطفاء بالفعل.
تشكل منطقة جالو جزءاً من واحة تضم أيضاً منطقتي "أوجلة" و"إجخرة"، وتوجد فيها نحو 5000 مزرعة تحتوي على نحو مليوني شجرة نخيل تنتج أكثر من 200 نوع من التمور، والمنطقة تعتبر الأكثر شهرة في إنتاج التمور بليبيا، بحسب ما يقول صالح المجبري، وهو مالك إحدى المزارع.
وأظهرت مقاطع فيديو تناقلها نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي بذل الأهالي جهوداً كبيرة لإخماد الحريق، ومن بينها استخدام الجرارات الزراعية لنقل أتربة من أجل الإطفاء.
ويبدي المجبري، لـ"العربي الجديد"، استياءه من تراخي السلطات في التجاوب مع نداءات الأهالي، قائلاً: "التراخي ساهم في توسع رقعة الحريق، وبالتالي زيادة الخسائر. وصول سيارات الإطفاء استغرق أكثر من أربع ساعات، علماً أن السلطات المحلية أبلغتنا أنها لا تملك سيارات إطفاء، أو أي إمكانات أخرى، وأنها تواصلت مع حقول النفط القريبة لتأمين مستلزمات عملية الإطفاء التي استغرقت وقتاً طويلاً".
يضيف المجبري: "تدخل السلطات لإخماد الحريق حصل بسبب خوفها من امتداده ليهدد حقول النفط التي تنتشر بكثافة في المنطقة، فالنخيل وأرزاقنا آخر ما يفكرون فيه".
بدوره، يذكّر الأكاديمي والناشط في مجال البيئة، احميد الجدي، بأن ظاهرة حرائق المزارع والغابات باتت متكررة، ويقول لـ"العربي الجديد": "احترقت عشرات من مزارع النخيل في منطقة غات (جنوب) خلال العام الماضي، والتهمت النيران على امتداد يومين غابة بالكامل في شرق البلاد، كما حصلت حوادث مماثلة خلال الأعوام الماضية من دون أن يهتم أحد بتعويض خسائر الأشجار من كل الأنواع. وما حدث في جالو وسط غياب أي جهد أو اهتمام حكومي، ينذر بمخاوف كبيرة تطاول الغطاء النباتي والأشجار خلال موسم الصيف المقبل".
وكان صيف العام الماضي شهد اندلاع حريق قضى على عدد كبير من أشجار النخيل خلال تسع ساعات في مشروع زراعي بمنطقة غات، ثم دمرت سلسلة حرائق أخرى اندلعت لمدة يومين مساحات واسعة من غابات منطقة عين مارة (شرق)، وأيضاً غابات في منطقة الخمس شرقي العاصمة طرابلس بسبب موجة حرارة مرتفعة اجتاحت ليبيا، وكذلك في منطقة زلة القريبة من جالو، ما تسبب في دمار واسع واحتراق أكثر من 800 شجرة نخيل.
ويعتبر الجدي أن استمرار تكرر ظاهرة الحرائق التي تمتد أياماً عدة أحياناً يدل على تقصير السلطات في التعامل مع الظاهرة، مشيراً إلى أن إجراءات هذه السلطات تكون وقتية في العادة، وينتهي الاهتمام الرسمي بالحوادث وتداعياتها فور انتهاء الحرائق. وهو يطالب بأن تدعم السلطات الأجهزة المعنية بالحرائق والبيئة بالوسائل الضرورية التي تحتاجها، ويقول: "يشكو مسؤولو الأجهزة بشكل متكرر من نقص الإمكانات، في حين يجب التركيز على بناء فروع هذه الأجهزة بجانب المشاريع الزراعية كي تستطيع فرقها الاستجابة الفورية لنداءات إطفاء الحراق وإنقاذ الناس والممتلكات والمزروعات".
ويحذر الجدي بشدة من مخاطر انحسار الغطاء النباتي سواء في المزارع أو الغابات، ويدعو الى ضرورة تعويض خسائر المزارعين من أجل تشجيعهم على مواصلة أعمالهم من جهة، كما يطالب بالعمل على تنفيذ العقوبات القانونية الخاصة بانتهاك الأحزمة الخضراء والغابات، إذ تتفشى أيضاً ظاهرة التعدي على الغابات".