انهيار بلديات غزة... توقف شامل للخدمات الحياتية الأساسية

28 اغسطس 2024
لا تمتلك بلديات غزة القدرة على تقديم الخدمات (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تدمير البنية التحتية وتداعياته الصحية:** تدمير شبكات المياه والصرف الصحي في غزة بسبب القصف الإسرائيلي أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة، حيث اضطر السكان إلى حلول بدائية لتصريف مياه الصرف الصحي.

- **توقف خدمات البلديات وتفاقم الأزمة:** توقفت خدمات البلديات منذ بداية الحرب، مما أدى إلى تكدس النفايات في الشوارع وزيادة التلوث وانتشار الأمراض، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء.

- **الدمار الواسع واحتياجات عاجلة:** تعرضت بلديات غزة لتدمير كبير في مرافقها وآلياتها، مما أعاق تقديم الخدمات الأساسية وزاد من خطر تفشي الأمراض، وتحتاج إلى إدخال المعدات والوقود بشكل عاجل.

انعكست حالة الانهيار والتدمير التي يعيشها قطاع البلديات في غزة على حياة السكان، فالحركة صعبة مع تدمير الطرق، وتنتشر الأمراض والأوبئة بفعل تراكم القمامة وتدمير شبكات المياه والصرف الصحي.

اضطر الفلسطيني محمد الحواجري لإنشاء "حفرة امتصاصية" بغرض تصريف مياه الصرف الصحي من منزله المدمر جزئياً بعد أن دمر قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي جميع مرافق البنية التحية في قطاع غزة، بما فيها تلك القائمة تحت الأرض كشبكات مياه الشرب والصرف الصحي، فضلاً عن مناطق تجميع مياه الأمطار.
يقول الحواجري لـ "العربي الجديد"، إن "فكرة الحفرة الامتصاصية كانت الوسيلة الوحيدة لإنهاء الأزمة بعد أنّ دُمرت شبكة الصرف الصحي الحكومية، وباتت المياه العادمة تطفو على سطح الأرض أمام المنزل، ما يؤدي لانبعاث روائح كريهة، وانتشار الحشرات التي تهدد بتفشي الأمراض. آثار العدوان الإسرائيلي انعكست على جميع مظاهر الحياة اليومية التي اعتاد عليها السكان قبل بدء الحرب الحالية، وهي الأطول والأقسى على سكان القطاع".
ويتابع: "غياب طواقم البلديات للشهر الحادي عشر على التوالي عن تقديم الخدمات الأساسية انعكس بوضوح على تكدس أكوام من النفايات في كل مكان، في ظل عدم وجود أماكن لتصريفها، فجميع الأماكن الفارغة مكتظة بالنازحين، أو يصعب الوصول إليها بسبب تهديدات الاحتلال، ما يؤدي إلى تراكمها في الشوارع والمحاور المختلفة بكميات غير معهودة".

غياب عمل أطقم البلديات يخلف تداعيات كارثية على حياة سكان غزة

ومنذ بداية الحرب على القطاع، يعمد الاحتلال إلى تدمير مرافق البنية التحتية في جميع المناطق، ويكرر قصف آبار المياه الجوفية ومحطات الصرف الصحي، كما انقطع التيار الكهربائي بشكل تام في أنحاء القطاع، ما انعكس بالسلب على الخدمات التي تقدمها المؤسسات الرسمية المحلية للمواطنين، والذين بات معظمهم نازحين يملؤون الطرقات والشوارع والمئات من مراكز الإيواء.
وتضج شوارع وأزقة القطاع المدمرة كلياً أو جزئياً بأطنان من أنواع النفايات المختلفة، وكميات ضخمة من ركام المنازل والمباني المدمرة، عدا عن تسرب مياه الصرف الصحي إلى كثير من الطرق، واختلاطها بالمياه الجوفية في بعض المناطق، إضافة إلى الدمار الواسع في شبكة الطرق، والتي لا يمكن إعادة تأهيلها أو رصفها في ظل استمرار العدوان، ما أعاد جميع مناطق غزة عقوداً إلى الوراء.
ولا تستطيع البلديات أن تقوم بنقل كميات النفايات إلى المناطق التي كانت مخصصة لتكديسها قبل العدوان، وغالبيتها تتواجد في المناطق الشرقية من القطاع، وكلها مناطق يمنع الاحتلال الوصول إليها على اعتبار أنها "مناطق عمليات عسكرية" منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ولجأت البلديات في بعض الأحيان إلى تخصيص مناطق جديدة داخل المدن أو الأحياء المدمرة لتكون بمثابة مكبات جديدة للنفايات، لكن تراكمها بعشرات الآلاف من الأطنان بات يفوق قدرة تلك الأماكن على الاستيعاب، وسط غياب أي حلول لإنهاء الأزمة، وانتظار انتهاء الحرب لبدء العمل على إيجاد حلول.

روائح كريهة وحشرات وقوارض (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
روائح كريهة وحشرات وقوارض (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

يقوم الفلسطيني يحيى شبير بتجميع النفايات في إحدى المناطق القريبة من المنطقة السكنية التي يتواجد بها في وسط مدينة خانيونس جنوبي القطاع، بعد أن توقف عمل طواقم البلدية قبل عدة أشهر نتيجة التدمير الكبير الذي تعرضت له مقارها وآلياتها.
يقول شبير لـ"العربي الجديد"، إن "عمل الطواقم الفنية في البلديات لم يعد كما كان في السابق نتيجة الحرب، وعدم وجود طرق آمنة أو معبدة لتيسير الحركة، عدا عن تكرار عمليات النزوح المتواصلة التي تؤدي إلى تكدس النفايات. أقوم مثل غيري من السكان بتجميع النفايات بمبادرة شخصية في عدة مناطق بعيدة عن المساكن، في محاولة للتخفيف من حدة انبعاث الروائح الكريهة، إضافة إلى الخشية من انتشار الحشرات التي باتت متواجدة بوتيرة غير مسبوقة مقارنة مع أوضاع ما قبل الحرب".

تتكدس آلاف الأطنان من النفايات والركام في شوارع قطاع غزة

ويوضح أنّ "غياب العمل اليومي المعتاد لأطقم البلديات له تداعيات كارثية على حياة جميع السكان، إذ يؤدي إلى زيادة نسب التلوث، وانتشار الأمراض في صفوف السكان والنازحين، خصوصاً ما يتعلق بشبكات الصرف الصحي والمياه المطلوبة للاستهلاك اليومي. نخشى من مصير مجهول مع انتهاء فصل الصيف وحلول فصل الشتاء، إذ يُخشى غرق مناطق عدة في القطاع بكميات كبيرة من مياه الأمطار المختلطة بمياه الصرف الصحي".
وخلال الفترة الأخيرة، حاولت بعض البلديات القيام بقدر من الإصلاحات البسيطة على صعيد شبكات الصرف الصحي، لكن استكمال الإصلاحات غاية في الصعوبة والتعقيد في ظل غياب المواد والمستلزمات اللازمة للصيانة الناتج من حالة الحرب والحصار المشدد المفروض على القطاع.
وتعمل البلديات بواقع لا يقل صعوبة عن القطاعات الأخرى المدمرة في القطاع، رغم الأعباء الكبيرة المفروضة عليها وغياب الدعم الرسمي لها، وهي تُدير حالياً "لجان طوارئ" مؤقتة في ظل الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للعاملين، والانهيار الكامل للقطاع الحكومي. 

تراكم النفايات ومياه الصرف الصحي بشوارع غزة (عمر القطاع/فرانس برس)
تراكم النفايات ومياه الصرف الصحي بشوارع غزة (عمر القطاع/فرانس برس)

في السياق، يقول رئيس بلدية جباليا شمالي القطاع، مازن النجار لـ"العربي الجديد": "واقع بلديات الشمال صعب للغاية، إذ تم تدمير أكثر من مليون ونصف المليون متر مربع من الطرق، إضافة إلى تدمير 35 بئر مياه وخمس مضخات صرف صحي رئيسية".
ويوضح النجار: "قام جيش الاحتلال بتدمير 77 آلية خاصة بالبلدية، من بينها آليات جمع النفايات، إضافة إلى تدمير محطة تحلية المياه الرئيسية التي تخدم شمالي القطاع ومدينة غزة، وتدمير 57 مولد كهرباء كانت تستخدم في تشغيل الآبار والمضخات، وقد تراكمت نحو 60 ألف طن من النفايات في الشوارع، في الوقت الذي جرى فيه تدمير كامل قطاع النقل والمواصلات، وكل هذا يلقي بظلاله القاتمة على الواقع المعيشي للسكان، ويجعلنا نخشى من حلول فصل الشتاء".
يتابع: "هناك انهيار شامل في المنظومة المائية يتمثل في تعطل معظم شبكات الضخ الخاصة بمياه الصرف الصحي، إضافة إلى تعطل محطات تحلية المياه، ما يحرم الأهالي من وصول مياه الشرب. نحتاج إلى مشاريع عاجلة للتعامل مع مياه الصرف الصحي وتحلية المياه، وإصلاح الشبكات بشكلٍ عاجل، لا سيما وأن الاحتلال دمر المنظومة البيئية تماماً، ما يؤدي إلى تفشي العديد من الأمراض، مثل التهاب الكبد الوبائي، وهناك تحذيرات خطيرة من تفشي شلل الأطفال، وعدد من أمراض الطفح الجلدي والنزلات المعوية".
أما بلدية مدينة غزة، وهي كبرى بلديات القطاع، فتعرضت خلال الأيام الأخيرة لسلسلة من الاستهدافات للعاملين فيها، ما أدى إلى استشهاد سبعة موظفين، إضافة إلى استهداف مقدراتها المادية لمنعها من تقديم الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين.

يقول المتحدث باسم بلدية غزة، عاصم النبيه لـ"العربي الجديد": "واقع البلديات غاية في الصعوبة منذ بداية العدوان نظراً لاستهداف البنية التحتية والمرافق، وقد طاول القصف آبار المياه ومحطات الصرف الصحي ومقار البلديات وآلياتها. تعرضنا لدمار غير مسبوق في المقدرات انعكس بوضوح على تقديم الخدمات، ويوجد حالياً ما يزيد عن 150 ألف طن نفايات متكدسة في أحياء مدينة غزة وحدها".
ويشير النبيه  إلى أن "تكدس هذه النفايات يؤدي إلى انتشار روائح كريهة، وتكاثر القوارض والحشرات، فضلاً عن انتشار واسع للأمراض. الدمار في مدينة غزة يتجاوز 75% من آبار المياه، والدمار الحاصل في شبكات المياه يقدر بعشرات آلاف المترات، ومعظم المعدات الحيوية مدمرة أو متضررة بنسبة تصل إلى أكثر من 80%، ونحتاج إلى إدخال المعدات اللازمة في أسرع وقت ممكن، وتوفير الوقود اللازم لتشغيلها حتى تتمكن البلديات من تقديم الحد الأدنى من الخدمات، وبالتالي مكافحة انتشار الأمراض والأوبئة الناجمة عن ذلك. لو استمر العدوان حتى حلول فصل الشتاء، فإن ذلك سيفاقم بشكل كبير الأعباء على البلديات، ويضيف المزيد من الأعباء بالتبعية على السكان والنازحين".