وصل الستيني محمد زمان إلى مخيم "عمري" قرب منفذ طورخم في أفغانستان بعدما عاش 8 سنوات في باكستان مخلفاً وراءه ذكريات كثيرة، وعملاً كان يوفر له رزقاً مناسباً لأولاده، لكنه لم يكن قلقاً من الحال بل من الاستمرار في كيفية مواصلة تعليم أولاده وبناته. وهو كان أنفق كل ما يملكه لتنفيذ رحلة المغادرة إلى الأراضي الأفغانية، لكنه كان سعيداً لاحقاً بطريقة تعامل أبناء شعبه وحكومة حركة "طالبان" معه، بحسب ما يشرح.
يقول لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن المشاكل كثيرة في مخيم عمري الذي أُنشئ حديثاً، وتضمن عدداً قليلاً من الحمامات، مع عدم توفيره كميات كبيرة من المياه، لكن ذلك لم يمنع حصولنا على كل ما نحتاجه من طعام ووجبات معدة وفرتها مؤسسات خيرية عملت بالتنسيق مع حكومة طالبان التي قدمت كل ما يمكن من خدمات. ويبقى الهم الأكبر بالنسبة إليها مع تنفيذنا خطوة العودة إلى الوطن أننا نبدأ حياتنا من الصفر مجدداً كما فعلنا في باكستان سابقاً".
يتابع: "ما يطمئنني أن البلاد مستقرة، وأنني سأتجه إلى قريتي في مديرية دره نور بولاية ننغرهار بعد تمضية أيام في المخيم، لأن الجو بدأ يبرد ما يجعل العيش في المخيم فترة أطول أكثر صعوبة. ويجب أن أتدبر منزلاً لأسرتي في القرية حتى إعادة إعمار منزلي الذي انهار قبل سنوات عدة لكن ليس بسبب الحرب فالمنطقة كانت آمنة".
ويقول زرور خان البالغ 51 من العمر والذي كان يملك بطاقة لجوء لكنه خرج من باكستان بعدما اعتقل مع ابنيه وتعرض منزل أخيه إلى عملية دهم ليلية من الشرطة، لـ"العربي الجديد": "أعيش حالياً في مخيم عمري الذي أنشأته طالبان من أجل استقبال اللاجئين العائدين من باكستان قرب منفذ طورخم الحدودي بين الدولتين، ورغم أنني خسرت المال والعمل في باكستان لكنني سعيد جداً بالعودة إلى أفغانستان، ففي الأيام الأخيرة أصبت باضطرابات نفسية، ولم أتمكن من النوم طوال الليل، وكانت هذه حال جميع أفراد أسرتي لأننا كنا نخاف أن تدهم الشرطة منزلنا في أي وقت على غرار ما فعلت في منزل أخي. عندما كنا نخرج من المنزل كنا نخاف من الإعتقال رغم أننا كنا نملك تصاريح رسمية، ثم قررت بالتشاور مع أفراد أسرتي وأخي أن نرحل ونغادر باكستان لا سيما أن بعض من نعرفهم من الباكستانيين قالوا لنا إن البلاد ستخرج جميع الأفغان خلال فترة قريبة، وإن دور اللاجئين الأفغان النظاميين سيأتي بعد إخراج اللاجئين غير النظاميين".
ويوضح زرور أن "السلطات الباكستانية تضايق جميع الأفغان رغم أنها لم تعلن إخراج النظاميين، لذا اتخذت قرار العودة إلى البلاد، والآن أعيش مع أفراد أسرتي في مخيم عمري كما حال باقي العائدين إلى البلاد".
يتابع: "الطقس غير مناسب ولا أستطيع البقاء فترة طويلة في المخيم لأن لدي بنات لم يعدن صغيرات، لكنني مرتاح لأن أحداً لا يلاحقني كما كان الحال في باكستان، وأرى أن الترتيبات التي اتخذتها حكومة طالبان مناسبة جداً حتى أنه يمكن وصفها بأنها ممتازة إذ يصل إلينا الطعام والأطباء والمساعدات الإنسانية من أطراف مختلفة".
من جهته، يعلّق الناشط والأكاديمي محمد بشر بالقول لـ"العربي الجديد": "لا شك أنني اتخذت قراراً صعباً جداً بالخروج من منزلي في باكستان وترك حياة بنيتها على مدى أعوام عدة خصوصاً على صعيد العمل وتأمين الرزق، ثم المكوث بعد عبور الحدود في مخيم، لكن الأفضل في ما حصل كما يقول كثير من العائدين أننا مطمئنون إلى عدم ملاحقة الشرطة الباكستانية لنا، وأننا نعيش في بلدنا حالياً، ومن حسن الحظ أن هناك اهتماماً كبيراً بنا رغم أن الوضع المعيشي في بلادنا ليس جيداً. وقد وضعت حكومة طالبان بالتنسيق مع تجار وأثرياء ومؤسسات خيرية خططاً جيدة، وهي تعمل لتقديم الخدمات إلى العائدين".
ويقول نائب الناطق باسم حركة "طالبان" وعضو اللجنة الثقافية في حكومة الحركة، بلال كريمي، لـ"العربي الجديد": "عطّلت حكومة طالبان بأمر من زعيم الحركة معظم المشاريع والأعمال غير الضرورية وبدأت كل مؤسسات الدولة في تقديم خدمات للعائدين الذين يحصلون فور عبورهم الحدود على كل ما يحتاجون إليه من غذاء ومياه وغيره، ويجري تسجيلهم في مراكز خاصة بسرعة من أجل تجنيبهم المزيد من التعب الذي تعرضوا له على الطريق، ثم ينقلون إلى مراكز معينة تمهيداً للعيش في المخيمات أو الذهاب إلى مناطقهم بعد توفير مواصلات ومساعدات مالية لهم".
ويوضح كريمي أن "مخيمات عدة أنشئت في الولايات الحدودية مع باكستان مثل ننغرهار وقندهار وباكتيا، وأيضاً في ولايات غير مجاورة نظراً إلى كثرة أعداد العائدين، والحكومة مشغولة بتقديم خدمات للجميع. ونشيد بدور الأثرياء والتجار والمؤسسات الداخلية الخيرية في مساعدة العائدين".