يجلس المصري محمود سيد ليبيع المثلجات وسط أحد مداخل حي القيروان السكني شمال الكويت. يحاول كسب رزقه اليومي من دون أي وسائل حماية من الحرّ تحت الشمس الحارقة خلال فصل الصيف حين تتجاوز درجة الحرارة 55 درجة مئوية.
يعمل باعة المثلجات بالتنسيق مع شركات المثلجات والألبان الكبرى في الكويت التي تصدر رخصاً لهم للبيع في مقابل إعطائهم البضاعة بنصف قيمتها، وتحدد مراكز انتشارهم بالتعاون مع بلدية الكويت، علماً أنه لا يسمح بتجاوز أي بائع مثلجات مكانه، والذي قد يعرّضه للطرد من وظيفته.
25 سنة تحت الشمس
يقول محمود لـ"العربي الجديد": "أعمل يومياً من الساعة العاشرة صباحاً حتى المغيب. أبيع المثلجات وقناني المياه المعدنية، للمواطنين وأكسب ربحاً يوازي ما تجنيه المحلات في الأسواق العامة المركزية ومحلات البقالة لأنني أشتري المثلجات من الشركة التي أعمل لديها بنصف قيمتها، أي بسعر الجملة، وأبيعها بالمفرّق محققاً هامش ربح بسيطاً، مع ذلك لا يستحق الوقوف في الشمس الحارقة". يتابع: "الحقيقة أنني أعمل في هذه المهنة منذ 25 سنة. درجات الحرارة لم تكن بهذا الشكل في الكويت سابقاً. يقول محللون إن ذلك يحدث بسبب عوامل بيئية عالمية، لكنّ الأكيد أن الحرارة ارتفعت في شكل مخيف خلال السنوات الأخيرة، ما زاد مصاعبنا، لكنّنا صابرون من أجل لقمة العيش".
وعن توفير مكيفات هواء لباعة المثلجات، كما يطالب ناشطون في مجال حقوق الإنسان، يقول محمود: "الواقع أن تجهيز عربات مكيّفة يكلف الكثير من الأموال، وهو ما لا نريده لأننا سندفع ثمن هذه العربات الغالية، لذا نعتبر أنّ بقاءنا على هذه الحال أفضل. ونحن نستطيع التعامل مع الحرارة، لكنّنا سنفشل في معالجة مشكلات عدم توافر وظائف لنا".
خطر الذوبان
يخبر مسعد، وهو بائع مثلجات مصري أيضاً وسط العاصمة الكويت "العربي الجديد" أنّه يتواجد منذ الساعة السابعة صباحاً، وهو توقيت توجه الناس إلى أعمالهم، ولا يعود إلى منزله إلا حين يبيع أكبر كمية من البضاعة التي في حوزته. ويحصل ذلك غالباً عند الواحدة فجراً.
يقول: "لم أشاهد في حياتي شمساً حارقة جداً في الكويت كتلك في السنوات الأخيرة. ارتفعت الحرارة في شكل كبير جداً مع عدم وجود أشجار أو إجراءات لتخفيف الحرارة في الشوارع، حيث يغلي الإسفلت خلال وقت الظهيرة، وإذا سقط شيء فإن فرصة ذوبانه كبيرة جداً، فكيف حال من يقف على رجليه، أو يجلس على كرسي وفوقه مظلة قديمة يفترض أن تقيه من الشمس".
قفزات الطفولة
وعن أهمية باعة المثلجات، يقول مسعد: "يحبنا الناس لأننا نذكرهم بطفولتهم، فهم يستطيعون شراء المثلجات ذاتها من الجمعيات التعاونية والأسواق المركزية ومتاجر البقالة بأسعار أقل، لكنهم يحبون أن يأتوا إلى هذه العربات. وبعضهم يأتي مع أبنائه ويجعلهم يقفزون فوق العربة مثلما كان يفعل حين كان صغيراً".
ويُعتبر شراء شخص كل كمية المثلجات ليوم كامل وتوزيعها مجاناً على المارة أهم نشاط يومي بالنسبة لبائع مثلجات. يقول محمود: "في أحيان كثيرة يأتي شخص ويعطيني 50 ديناراً (165.7 دولاراً) لتوزيع المثلجات مجاناً لأي طالب شراء. وهنا أستطيع العودة إلى منزلي زاعماً أنني بعت مثلجات بهذه الكمية من المال، لكنّ الأمانة تحتم عليّ توزيعها بالقيمة المحددة قبل المغادرة. وأعتقد أنّ هناك علاقة حميمة بين بائع المثلجات أو راعي البرّيد، كما يسمى في الكويت، وبين المواطنين، ما يشكل سرّ استمرار المهنة حتى اليوم".
ويعود باعة المثلجات لقضاء الإجازة في بلدانهم خلال فصل الشتاء، إذ تتوقف عربات المثلجات عن الانتشار في الشوارع بسبب ضعف الإقبال عليها، ما يتسبب في صعوبات اقتصادية لقسم كبير منهم، ويضطرهم إلى البحث عن وظائف في بلدانهم، لأن هذه الوظيفة في الكويت تعتبر "موسمية" مع وضع الشركات شروطاً قاسية لتشغيل الباعة، وتجاهلها منحهم تأميناً صحياً أو رواتب مقابل إجازاتهم السنوية.
ويقول بائع آخر يدعى بيومي أحمد لـ"العربي الجديد": "الشيء الوحيد الذي يفرحنا هو فصل الصيف الذي يراه الآخرون حاراً مؤذياً وطويلاً في الكويت. والأهم بالنسبة لنا هو قضاء فترة أقل في بلداننا، والعودة سريعاً للعمل في الكويت". ويؤكد بيومي أنّ علاقة باعة المثلجات مع سكان المناطق التي يعملون فيها وتتواجد غالباً في المناطق السكنية والضواحي، تشبه علاقة عائلية، إذ يتعرف بائع المثلجات الذي يعد أحد معالم المنطقة، على الأب والابن وأحياناً الحفيد. ورغم المخاطر المحدقة بهذه المهنة، يعتقد كُثر بأنها باقية.