لا يمر أسبوع في باكستان من دون أن يتظاهر سكان إحدى المدن الرئيسية للاحتجاج على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، لكن محللين يرون أن التظاهرات لن تأتي بنتائج لأنها غير منسقة، ولأن معالجة قضية الطاقة أكبر من قدرات الحكومة المركزية التي تزعم أنها لا تستطيع أن تفعل الكثير لمعالجة المسألة.
من المدن الرئيسية التي تعاني من انقطاع الكهرباء العاصمة الاقتصادية كراتشي. ويقول أحد سكانها، محمد محسن لـ"العربي الجديد": "يعاني المواطنون من لامبالاة الحكومة المركزية، وعدم كفاءة الحكومة الإقليمية. نواجه مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في أجواء الصيف الصعبة والحرارة الشديدة، ويذهب الأطفال إلى المدارس والشبان إلى الجامعات والموظفون والموظفات إلى أعمالهن من دون أن يرتبوا أمورهم بسبب نقص الكهرباء".
يضيف: "نواجه عندما نستيقظ صباحاً مشكلة عدم وجود مياه في المنزل بسبب انقطاع الكهرباء خلال الليل، في حين نكون في أمسّ الحاجة إليها للاستحمام. بالطبع لا تتوفر مياه شرب في المنزل أيضاً صباحاً، وفي كل الأحوال عندما لا تتوفر الكهرباء لا نستطيع أن نتناول الفطور في المنزل، ونحن فقراء لا نتحمل تناول الفطور في السوق، وفي الليل هناك مشاكل أخرى ترتبط بالبعوض والحرّ".
يضيف الرجل: "في ظل هذه الأحوال لا يبقى أمامنا إلا الخروج إلى الشارع، ونعرف جيداً أن الهتافات والتظاهرات لن تأتي بنتائج، ولن تغيّر حالنا إلى الأحسن، لأننا نعلم أن الحكومة الإقليمية وتلك المركزية تظهران فشلاً كبيراً في تلبية مطالب الشعب، خصوصاً في إقليم السند، لكن عندما نخرج إلى الشارع ونرفع الهتافات تهدأ أعصابنا قليلاً، ونطلق غضبنا. لا نتظاهر بهدف تنفيذ أعمال شغب، وهو ما لن يحصل، لكن بمجرد أن نخرج تهاجمنا الشرطة، كأننا تحركنا لتنفيذ عمل يخالف قوانين البلاد، أو أعمال تخريب، لكننا مجرد مواطنين عزل أرهقتنا الحياة وأتعبتنا الأحوال التي نعيشها، ولا نملك إلا خيار التظاهر. يبدو أن الحكومة لا تستطيع أن تتحمل هذا القدر من الاحتجاج ورفع الصوت ضدها، بينما تعجز عن فعل شيء".
لكن عبد المجيد الذي يسكن في كراتشي يرى أن التظاهرات ليست حلاً إذا كانت على هذا النسق. مضيفاً أنها "غير منظمة، وتديرها منظمات محلية من دون ترتيب أو تنسيق، وعادة لا تخرج فيها حشود كبيرة تستطيع إجبار الحكومة على اتخاذ قرارات تؤدي إلى تغيير الوضع السيئ لخدمات الكهرباء، فيما يواجه المواطنون أشد أنواع المعاناة في كل المجالات".
ويقول لـ"العربي الجديد": "يمكن إلقاء اللوم على المواطنين أيضاً، إذ يشاهد الجميع كيفية استخدامهم التيار الكهربائي بشكل غير مناسب، فهم يمارسون اعتداءات في استخدام الكهرباء ويسرقونها، كما يمهدون بأنفسهم للفساد، إذ يدفعون المال لمن يحسبون العدادات ويرسلون فواتير أقل مما يستهلكونه، فهم بالتالي شركاء، في وقت يواجه فيه قطاع الطاقة نقصاً في الموارد، ويعاني الجميع من ذلك".
تلوم الحكومات المحلية الحكومة المركزية على تردي خدمات الكهرباء، في حين تؤكد الحكومة المركزية أنها تبذل قصارى جهدها لتحسين الأحوال، لكنها تستدرك بأن الأمور خارج سيطرتها. وباتت الأحزاب تستخدم أزمة الكهرباء لتحقيق أهداف سياسية، والنيل من الخصوم، بدلاً من بذل مساعٍ لاحتواء تأثيراتها السلبية.
وتزداد احتياجات الطاقة والكهرباء في باكستان بسبب الزيادة السكانية، وكشف تعداد للسكان أجري في إبريل/ نيسان الماضي، أن عدد السكان بلغ نحو 250 مليون نسمة، بزيادة 27 مليوناً خلال السنوات الخمس الماضية، ما يمثل نسبة 12.98 في المائة من إجمالي عدد السكان في عام 2017.
وعُد إقليم البنجاب الشمالي الشرقي الأكثر اكتظاظاً بـ116 مليون نسمة، وتلاه إقليم جنوب السند بـ52 مليوناً، وخيبر بختونخوا الشمالي الغربي (40 مليوناً)، وبلوشستان الجنوبي الغربي (18.18 مليوناً)، وتعتبر باكستان خامس أكبر دولة في العالم على صعيد عدد السكان.
وكان رئيس حكومة إقليم كراتشي السابق، سيد مراد علي شاه، قد أعلن أنه حاول أن يقدم لسكان الإقليم أفضل الخدمات ويحسّن وضع الكهرباء، لكنه لم يستطع التحكم بالأمور "لأن الحكومة المركزية لم تفعل ما هو مناسب، وانشغلت بأمور مهمة أخرى، مثل الحصول على ديون وغيرها، لذا قصرّت إلى حدّ كبير في توزيع الميزانية والطاقة".
وفي خطاب أدلى به أخيراً، قال رئيس الوزراء السابق شهباز شريف، إن حكومته كانت تضع ضمن أولوياتها الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، لكنها اهتمت أيضاً بملف والكهرباء، وحصل تحسّن ملحوظ، لكن الشعب لم يمنحه الفرصة في الانتخابات التالية لمواصلة العمل.