بينما كانت تفكر المهندسة المعمارية الباكستانية ياسمين لاري (88 عاماً) في التقاعد، دفعتها سلسلة من الكوارث الطبيعية، بما فيها الزلزال الهائل في عام 2005 وفيضانات عام 2010، إلى مواصلة العمل مع مؤسسة التراث الباكستانية التي تدير مشاريعها الريفية، لتحصين المجتمعات الريفية الباكستانية الأكثر هشاشة حيال تغير المناخ.
لاري التي تعد أول مهندسة معمارية باكستانية، تخلت عن مشاريع بملايين الدولارات في مدينة كراتشي الضخمة، لتطوير منازل الخيزران المقاومة للفيضانات في قرية بونو كولوني، والتي كان لها دور في إنقاذ عائلات من أسوأ فيضانات موسمية أغرقت ثلث البلاد العام الماضي.
تقول لاري "كان عليّ أن أجد الحل أو طريقة يمكنني من خلالها تنمية قدرات السكان حتى يتمكنوا من تدبر أمورهم بأنفسهم بدلاً من انتظار المساعدة الخارجية"، مضيفة "شعاري هو صفر كربون، صفر نفايات، صفر جهات مانحة، وهو ما أعتقد أنه يؤدي إلى القضاء على الفقر".
والآن، تقوم لاري بحملة لتوسيع نطاق المشروع إلى مليون منزل مصنوعة من مواد محلية ميسورة الكلفة، ما يوفر وظائف جديدة لسكان المناطق الأكثر ضعفاً، موضحة "أسميها نوعاً من البناء المشترك والإبداع المشترك، لأن الناس لديهم دور متساوٍ في تجميلها وجعلها مريحة لهم".
صمّمت هذه المهندسة المعمارية التي تدرّبت في المملكة المتحدة بعض المباني الأكثر شهرة في كراتشي، بما فيها مقر شركة النفط الباكستانية فضلاً عن سلسلة من المنازل الفاخرة.
بساطة "بونو كولوني" تقاوم الفيضانات
يقول العلماء إن تغيّر المناخ يجعل الأمطار الموسمية أكثر غزارة وغير قابلة للتوقع، ما يزيد الحاجة الملحة إلى تعزيز قدرة البلاد على مقاومة الفيضانات، خصوصاً أن أكثر الناس فقراً يعيشون في المناطق الأكثر عرضة للخطر.
وباكستان، خامس أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان، مسؤولة عن أقل من واحد في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، لكنها واحدة من أكثر الدول عرضة لتأثيرات الظروف الجوية القصوى.
أنشئت قرية بونو كولوني التي تضم حوالي 100 منزل، قبل أشهر قليلة من وصول الأمطار الموسمية الكارثية الصيف الماضي متسبّبة في نزوح ثمانية ملايين شخص.
منازل القرية المرتفعة محمية من المياه المندفعة في حين أن هياكلها المصنوعة من الخيزران، المغروسة في عمق الأرض، يمكن أن تتحمل الضغط دون أن تُقتلع.
تعتبر الأكواخ الطينية، المعروفة محلياً باسم "شانوارا"، بمثابة تحسين للمنازل التقليدية المكونة من غرفة واحدة والمنتشرة على طول المساحات الطبيعية لمقاطعة السند الجنوبية وولاية راجستان في الهند.
وهي تتطلّب فقط مواد متوافرة محلياً: الكلس والطين والخيزران والقش. وبعد التدريب المباشر للسكان المحليين، يمكن جمعها بكلفة حوالي 170 دولاراً، أي نحو ثُمن كلفة منزل من الأسمنت والطوب.
في ريف السند، ما زال عشرات الآلاف من الأشخاص نازحين وما زالت المياه الراكدة موجودة في أجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية بعد عام تقريباً من أسوأ فيضانات شهدتها البلاد على الإطلاق.
وقدّر البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي في دراسة مشتركة أن باكستان تكبدت 32 مليار دولار من الأضرار والخسائر الاقتصادية وستحتاج إلى 16 مليار دولار لإعادة الإعمار وإعادة التأهيل.
تستذكر لاري عملها في الإسكان الاجتماعي في لاهور في السبعينيات عندما اطلعت نساء محليات على مخططاتها الهندسية وسألنها أين ستعيش دجاجاتهن، قائلة "بقيت تلك الدجاجات في ذهني، وكانت حاجات النساء أولويتي عندما أضع تصميماً". لذا عندما أعادت التصميم كان عليها أن ترفع المواقد عن الأرض.
وقالت تشامبا كانجي التي درّبها فريق عمل لاري لبناء مواقد منزلية في السند "في الماضي، كان الموقد على مستوى الأرض، وبالتالي كان غير صحي إلى حد كبير. كان الأطفال الصغار يحرقون أنفسهم عندما يكون مشتعلاً والكلاب الضالة تلعق الأواني، ما يؤدي إلى انتشار الجراثيم".
وصرحت لاري "رؤية النساء يصبحن مستقلات وتمكينهن يمنحاني متعة كبيرة".
كرّمت لاري عن أعمالها من قبل المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين الذي منحها الميدالية الذهبية الملكية لعام 2023 لتفانيها في استخدام الهندسة المعمارية لتغيير حياة الناس.
وقال رئيس المعهد سايمن ألفورد "كشخصية ملهمة، انتقلت من ممارسة كبيرة تتمحور حول حاجات عملاء دوليين إلى التركيز فقط على القضايا الإنسانية".
وعلّقت لاري "إنه شعور رائع. لكن بالطبع، هذا يجعل مهمتي أكثر صعوبة. يجب أن أضمن الوفاء بالتزاماتي الآن".
(فرانس برس)