عادت موجة العنف إلى باكستان أخيراً، بعد وصول حركة "طالبان" إلى سدة الحكم في أفغانستان المجاورة في أغسطس/ آب الماضي، ما يشير إلى أن التطورات الأخيرة في أفغانستان تشجع الأحزاب المسلحة في باكستان على محاولة الوصول إلى الحكم أيضاً. واستهدفت الموجة الجديدة أماكن عامة بتفجيرات، خصوصاً تلك التي تقع في مناطق تسكنها أقلية شيعية، وقبائل البشتون ذوو الأصول الأفغانية التي تتمركز في شمال غربي البلاد تحديداً، كما نفذت اغتيالات في مختلف المدن الباكستانية، لا سيما في العاصمة اقتصادية كراتشي، والتي طاول بعضها عناصر أمن وتجارا ونشطاء في أحزاب سياسية.
وفي الرابع من مارس/ آذار الجاري، قتل حوالى 60 شخصاً وجرح أكثر من 100 في هجوم شنه انتحاري على مسجد للشيعة بمنطقة قيصه خواني في مدينة بيشاور مركز إقليم خيبر بختونخوا، وهو اندرج ضمن سلسلة هجمات، لكنه اعتبر أكبرها وأكثرها دموية، ما أثار قلق وخوف المواطنين الذين تزداد قناعتهم يوماً بعد يوم بأن أجهزة الدولة تعاني من فشل كبير في التصدي للهجمات التي تستهدفهم.
يقول علي حيدر الذي يسكن في منطقة قيصه خواني لـ"العربي الجديد": "أثار الهجوم الدموي في المنطقة ذعراً كبيراً لدى المواطنين. كان المشهد مخيفاً، ولا يمكنني أن أنساه، إذ دخل الانتحاري المسجد مرتدياً زياً أسود، وبدأ يطلق النار على جميع الموجودين داخله، واستمر ذلك ثواني قبل أن يفجر حزامه الناسف، لتتناثر أشلاء الناس في كل مكان".
ويخبر عباس أفسر، أحد مسؤولي الأقلية الشيعية في المنطقة الذي رأى كيف أطلق الانتحاري النار على الحراس قبل أن يقتحم المسجد، "العربي الجديد"، أنه رأى حين كان في طريقه من منزله إلى المسجد شاباً يهرول بسرعة، ويطلق النار على كل الموجودين أمام المسجد، حيث أردى خمسة منهم قبل أن يدخل ويحدث انفجاراً هائلاً. ويقول: "كنت بين الأوائل الذي دخلوا المسجد، حيث رأيت مشاهد مفزعة لم أبصرها في حياتي، والتي لا يمكن أن أصفها بكلمات. تناثرت الجثث في كل مكان، وكنت أسمع أنين الجرحى".
ويتهم عباس سلطات الأمن بتجاهل تعزيز أمن المواطنين، "إذ إن دورية الشرطة التي كانت تحضر كل يوم جمعة إلى المسجد لتوفير الحماية وتفتيش المصلين، لم تأتِ في يوم الهجوم فتواجد شرطيان فقط في الموقع إلى جانب ثلاثة متطوعين. وهؤلاء من أطلق المهاجم النار عليهم فقتل بعضهم وجرح آخرين. وقبل الحادث الدموي بيومين، ألقى مسلحون مجهولون قنابل يدوية على منزل لمواطنين شيعة قرب المسجد المستهدف، فطالبنا بتشديد إجراءات الحماية باعتبار أن الهجوم ليس الأول من نوعه، لكن سلطات الأمن لم تنصت لنا، وزعمت ان حادث المنزل نتج من انفجار أسطوانة غاز، وهو أمر غير صحيح، لكننا لا ندري لماذا تخفي السلطات وقائع الحوادث".
أيضاً، يصف عالم دين شيعي في مدينة بيشاور يدعى شاه جهان نقوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الهجوم على المسجد بأنه "مخيف، لكن السلطات الباكستانية استعادت الحديث نفسه في توضيح ملابساته، وتحميل جهات أجنبية مسؤولية تنفيذه، فيما نصرّ على أن هذه الهجمات لا تستهدف شريحة واحدة، إذ يقتل فيها سنة وشيعة وأبناء من الأقلية الهندوسية وسيخ وغيرها، والحكومة تكتفي بتنفيذ إجراءات روتينية لا تسمن ولا تغني من جوع. وهي شكلت بعد الحادث لجنة لتقصي الحقائق في شأن ما حصل، لكننا نسأل أين نتائج هذه التحقيقات".
ويطالب نقوي الحكومة بأن تتصدى لما يسميه "محاولة الأعداء إشعال حرب طائفية في باكستان، على غرار ما حصل في دول إسلامية أخرى". ويؤكد أن التنظيمات المسلحة حمل ثقيل على أمن بلدنا والبلدان الإسلامية عموماً.
وفيما تبنى تنظيم "داعش" مسؤولية الهجوم على المسجد، وزعم أن مواطناً أفغانياً نفذه، أطلقت السلطات الباكستانية حملة أمنية ضد اللاجئين الأفغان الذين اعتقلت عشرات منهم بينهم نساء وأطفال بحجة أنهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية. وقد أفرجت لاحقاً عن النساء المعتقلات، وأحالت الرجال على محاكم في بيشاور، وأعلنت عزمها ترحيلهم إلى أفغانستان بعد إصدار أحكام ضدهم.
ويقول لاجئ أفغاني يعيش في بيشاور ويدعى مصور خان لـ"العربي الجديد": "دهمت الشرطة الباكستانية منزلي، واعتقلت أمي وأخي وزوجته وابنه، رغم أن أخي وابنه لديهما بطاقات لجوء وكل الأوراق الثبوتية. وهم لا يزالون قيد الاعتقال، ويستمر نقلهم بين المحاكم ومراكز الشرطة. وقد أوقفت السلطات الباكستانية أيضاً عشرات الأفغان خلال الأيام الماضية من أجل تضييق الخناق عليهم، من دون أن تفرّق بين من يملكون أوراقاً ثبوتية، وبين من لا يملكونها".
وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن مليونا ونصف مليون لاجئ أفغاني يعيشون في باكستان، ويملكون أوراقاً ثبوتية، ونحو العدد ذاته بلا أوراق، ما يجعل عدد اللاجئين الأفغان في باكستان يناهز 3 ملايين.