بدو سورية... الترحال وخسارة المواشي في زمن الحرب

04 مايو 2021
القهوة العربية المرّة من العادات الصامدة (العربي الجديد)
+ الخط -

 

في سورية، كما في غيرها من دول الجوار العربي، بدو رحّل يمتهنون رعاية الأغنام، ويتنقّلون في أراضيها من أجل الكلأ والمياه، على مدار السنة. لا يُعرف لهؤلاء مكان واحد يستقرّون فيه، وقد اقتصروا على موسمَين للترحال قبل سنوات الحرب التي قضت على معظم مواشيهم، وأفقدتهم القدرة على التنقّل بسبب اختلاف القوى المسيطرة في البلاد وتعرّض قطعانهم للقتل والسرقة، وخصوصاً في البادية السورية التي كان بدوها مصدراً للألبان والأجبان واللحوم للمدن. وهؤلاء البدو بمعظمهم من أبناء العشائر والقبائل العربية، وفقاً لتقديرات تعود إلى ما قبل عام 2011، ويتوزّعون على محافظات حمص وحماة وحلب والجزيرة السورية ودرعا، إلى جانب عدد قليل يتوزّع على ريفَي دمشق وإدلب.

يوضح رئيس المكتب السياسي في قبيلة "البوشعبان" صخر العلي لـ"العربي الجديد" أنّ "بدو سورية ينقسمون إلى رحّل وغير رحّل، وكان عددهم يُقدّر قبل الثورة بنحو 500 ألف نسمة. أمّا بعد الثورة، فقد تراجع إلى بضعة آلاف، وهم ما زالوا محافظين على العادات والتقاليد، وقد استقروا في إدلب وأرياف حلب والرقة والحسكة الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية. أمّا بالنسبة إلى الرحّل منهم، فهم الذين يتنقّلون أينما وُجدت المياه والكلأ لمواشيهم". ويشير إلى أنّ "نصف الرحّل كانوا يرتحلون مرتين في كل موسم، ويقصدون البادية السورية في الربيع بدءاً من شهر فبراير/ شباط وحتى مطلع مايو/ أيار، وفي الصيف كانوا ينتقلون إلى سهل الغاب في ريف حماة والجزيرة السورية". يضيف العلي أنّ "رحلة ثالثة إلى لواء إسكندرون الشهير بأراضيه الخصبة لم تعد موجودة، مذ ضمّت تركيا اللواء إلى أراضيها في ثلاثينيات القرن الماضي. كذلك فإنّ هذه الرحلات تأثّرت في توجّه أبناء البدو نحو التعلّم منذ عام 1990، وتوقّفت نهائياً مع اندلاع الثورة السورية ومشاركة أبناء البدو في أحداثها كغيرهم من السوريين. فخسائر المواشي التي كانت تعتمد حياتهم عليها أتت كبيرة بسبب القصف".

الصورة
بدو في سورية 2 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وبحسب العلي، فإنّ "أبناء البدو بمعظمهم انضموا إلى الثورة وهاجروا إلى الشمال السوري، وقلة منهم بقيت في مناطق سيطرة النظام. وتسمع أخبار سطو عليهم وعلى مواشيهم في كلّ يوم، في أرياف الرقة وحلب وحماة". يؤكّد أن "انتشار المليشيات في البادية السورية اليوم، وقبله سيطرة تنظيم داعش الإرهابي حرما هذه الفئة الاستفادة من خيرات البادية حيث كانت ترعى أغنامهم بالمجان، وحيث كانوا ينقلون بيوت الشعر بحرية. كذلك لم يعودوا قادرين على التوجّه إلى سهل الغاب الذي تسيطر عليه مليشيات موالية للنظام وهجّرت أهله من المعارضين". ويقدّر العلي "نسبة المواشي التي خسرها بدو سورية بنحو 70 في المائة، فيما خسروا نحو 80 في المائة من نسبة المراعي"، لافتاً إلى أنّ "خمسة في المائة من هذه المواشي كانت في مناطق سيطرة المعارضة، واثنَتين في المائة في مناطق سيطرة النظام، والباقي في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية (الكردية)".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

من جهته، يقول شيخ عشيرة "الصعب" ياسر العلوش لـ"العربي الجديد" إنّ "البدو الذين اعتادوا الحياة الهادئة اضطرّوا إلى النزوح والعيش في المخيمات، فتغيّر نمط حياتهم بشكل كامل، فيما فقد معظمهم مصادر رزقهم، وكثيرون منهم امتهنوا مهناً أخرى"، مضيفاً أنّ "من بينهم من أرسل أبناءه للعمل في تركيا ودول الجوار وأوروبا، ومنهم من أنشأ مشاريع أخرى بعيدة كل البعد عمّا اعتادوه في حياتهم". ويشير العلوش إلى أنّ "البدوي كان يزور البدوي الآخر في حال مرضه ويحمل له ما يستطيع من هدايا. أمّا اليوم، فلم يعد هذا متاحاً، وبات البدوي يطمئنّ على صديقه أو قريبه المريض عبر الاتصالات الهاتفية، وهذا يحزّ في نفس كل بدوي، لكنّ العذر متوافر". ويؤكّد العلوش أنّ "البدوي لم يعتد هذا النمط من الحياة، لكنّه ضحّى من أجل ذلك إيماناً بالثورة التي وجب عليه المشاركة فيها إلى جانب سوريين آخرين. وهذا لم يمنعه من الحفاظ على عادات كثيرة من قبيل إكرام الضيف وإغاثة الملهوف ومشاركة الأقارب والجيران والمعارف في الأفراح والأتراح. وتمسّكهم بهذه العادات هو ما حتّم عليهم المشاركة في الثورة، على حساب أملاكهم ومواشيهم".

الصورة
بدو في سورية 3 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

أمّا شيخ عشيرة "البوشيخ"، نادر جويد، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "حياة البدوي كانت بسيطة، وبيته يُقام من صوف الأغنام ووبر الجمال. ويكتسب البيت أهميته من أهمية صاحبه، فبيت شيخ العشيرة معروف بكبره. ويُحفر حول بيت البدوي خندق صغير في الشتاء يمنع دخول مياه الأمطار إلى داخله، وهو مقسّم إلى قسمين: واحد للضيوف والجلوس، وآخر للنساء إلى جانبه خيمة صغيرة تُستخدم كمطبخ. وفي القسم المخصص للضيوف مكان للنار وللقهوة العربية المرّة. لكنّ هذه العادات كلها اندثرت بسبب حملات التهجير والنزوح واضطرار البدو كغيرهم من السوريين إلى اللجوء إلى مخيمات النزوح". يضيف جويد أنّ "كثيرين من البدو تحوّلوا اليوم إلى تجّار للأغنام في الشمال السوري. والواحد منهم كان يملك مئات أو حتى آلافاً من رؤوس غنم العواس التي تشتهر بها سورية، فالبدوي لم يعتد بيع الأغنام، بل كان يتفاخر بكثرتها. وكان من قوانين البدو ألا يعلّق الجرس في قطيع إلا إذا تخطى عدد الأغنام فيه الألف. لكن اليوم، بات أكبر عدد يملكه البدوي في أحسن الأحوال 100 رأس من الغنم.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة تقديرات تفيد بأنّ نسبة البدو في سورية كانت تُقدّر بنحو 10 في المائة إلى 12 من إجمالي عدد السكان. وفي عام 1943، خُصّصت لهم 10 مقاعد في البرلمان من مجموع 135 مقعداً، أي سبعة في المائة. وفي هذا الإطار، أشارت الباحثة الأميركية داون تشاتي، في بحث نُشر في مجلة "عمران للعلوم الاجتماعية الدورية" في شتاء عام 2016، إلى أنّ البدو السوريين سعوا إلى الحفاظ على خصوصيتهم وأسلوبهم في الحياة، ما صعّب إجراء دراسات دقيقة عنهم.