يحلّ فصل الشتاء بارداً في غزة، وسط تفشّي فيروس كورونا الجديد وأمراض أخرى تؤدّي إلى تفاقم الأوضاع. فالأزمة الاقتصادية تحول دون توفير وسائل تدفئة مناسبة.
توفّي الطفل الفلسطيني الرضيع مراد الحسن البيوك البالغ من العمر شهراً واحداً في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، نتيجة البرد الشديد الذي واجهه مع أسرته في منزلهم الذي لا يصلح للسكن. وكان والده قد أوضح لحظة وقوع الفاجعة أمام المستشفى، أنّه عجز عن شراء مدفأة كهربائية عندما رُزق بطفله، مثلما لم يكن قادراً على تأمين كثير من احتياجاته الأساسية.
وشكلت وفاة الطفل الرضيع بسبب البرد صدمة للغزيين الذين يواجهون أكثر فصول الشتاء قسوة منذ سنوات، إلى جانب ظروفهم الاقتصادية الصعبة. يأتي ذلك في حين تستقبل مستشفيات كثيرة غزيين أصيبوا بأمراض نتيجة البرد، فيما ترتفع الإصابات بفيروس كورونا الجديد بشكل كبير. لكنّ الغزيين الذين لا يبالون بارتفاع الإصابات بالوباء كثُر، فهم يريدون الحصول على الدفء في ظل عدم توفّر الإمكانيات المادية.
ويقول مؤمن الحسن البيوك والد الرضيع لـ"العربي الجديد": "كانت ليلة عاصفة جداً والأمطار غزيرة. وعندما استيقظنا من شدة البرد وجدناه متجمداً. ظننت أنّه أغمي عليه، وعندما توجهنا إلى المستشفى، قالوا إنّه توفي نتيجة البرد، كذلك أكّد الطب الشرعي". يضيف الوالد: "منزلي رديء جداً وهو مؤلّف من صفائح حديد ومليء بالثقوب التي تتسرّب من خلالها مياه الأمطار، بالإضافة إلى البرد الذي جعل المنزل أشبه بثلاجة". ويتابع: "كنت أنتظر مخصصات الشؤون الاجتماعية للأسر الأشدّ فقراً لأنّني عاطل من العمل منذ سنوات، من أجل شراء جهاز تدفئة صغير لطفلي، لكنّها لم تُصرَف في غزة منذ أكثر من تسعة أشهر".
إلى جانب برد الشتاء، يأتي فيروس كورونا الجديد ليزيد معاناة أهل غزة ويقلقهم. وفي هذا الإطار، أصيبت مريم أبو جية (29 عاماً) وأسرتها بأعراض إنفلونزا حادة بحسب ما تخبر، مضيفة لـ"العربي الجديد" أنّه "بسبب تشابه الأعراض مع تلك التي تتسبّب فيها الإصابة بمتحوّر أوميكرون من الفيروس، كان لا بدّ من إجراء فحوص بي سي آر. لكنّ الطواقم الطبية المعنية لم تستطع التعامل مع الأمر". بالتالي، اضطرت أبو جية إلى الانتظار أربعة أيام قبل أن تتمكّن من الخروج والخضوع إلى الفحص، فهي تخشى على والدتها المتقدّمة في السنّ التي تعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.
وتتابع أبو جية أنّ "حالة والدتي ساءت بسبب البرد، في حين تأكدنا من عدم إصابتها بالفيروس. وبسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي زاد وسط الأمطار الغزيرة والرياح، لم أستطع تأمين الدفء لها". وتؤكد أنّ "البرد قاس حالياً، ووالدتي صارت تعجز في بعض المرات عن التنفس بشكل طبيعي نتيجة إصابتها بالإنفلونزا"، مشيرة إلى أنّ "ثمّة أطفالاً ومرضى كثيرين في غزة يعانون من البرد. ومسألة عدم القدرة على توفير الدفء لهم صارت قضية أساسية في شتاء الغزيين". يُذكر أنّ فيروس كورونا الجديد أصاب سبعة من أفراد عائلة أبو جية في بداية شباط/ فبراير الجاري، فيما كانوا جميعاً يلازمون المنزل بسبب المنخفض الجوي، فيما عمّ مريم يحضر حاجيات المنزل من السوق. فأُصيب بالعدوى ونقلها إلى أفراد عائلته، علماً أنّ حالته كانت حرجة واضطر إلى دخول المستشفى حيث وُصل بجهاز تنفّس صناعي قبل أن يستقرّ الوضع.
من جهته، نُقل أيمن صيام (50 عاماً) في وقت سابق من فبراير الجاري إلى المستشفى ووضع في قسم العناية المركّزة حيث وُصل بجهاز تنفّس صناعي "نتيجة إصابته بنوبة ربو" بحسب ما يوضح نجله الأكبر ماجد لـ"العربي الجديد". وهو كان قبل قد تدفأ عبر إشعال حطب في داخل منزله. ويشير ماجد إلى أنّها "المرّة الثانية الذي يُصاب فيها والدي بالأعراض نفسها منذ بداية هذا العام"، مؤكداً "لاحظت أعداداً كبيرة من المرضى في قسم الصدرية في المستشفى، علماً أنّ أوضاعهم تسوء وسط البرد". ويأتي ذلك في ظل قلق ماجد وكذلك أهالي المرضى الآخرين من إصابتهم بفيروس كورونا الجديد، إذ من شأن ذلك أن يؤثّر سلباً عليهم.
في هذا السياق، يشير المتخصص في الطب العام بـ"المستشفى الإندونيسي" الحكومي شمالي قطاع غزة سمير سالم لـ"العربي الجديد" إلى "استهتار لدى الغزيين في ما يخصّ الإجراءات الاحترازية في الآونة الأخيرة"، لكنّه يبرّر ذلك بـ"عدم توفّر إمكانيات لدى الأسر تتيح لهم شراء معقمات وما إلى ذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة". ويؤكد أنّ "الأزمة تفاقمت نتيجة المنخفض الجوي الأخير، واضطرار الأفراد إلى التقارب داخل المنازل للحصول على الدفء". يضيف سالم لـ"العربي الجديد" أنّ "البرد القاسي يفاقم أمراض الشتاء ويؤدّي إلى مضاعفات لدى المصابين بالربو والالتهابات الرئوي وعدوى الأذن الداخلية وكذلك الذين يعانون من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وآلام المفاصل".