مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الجزائر (12 يونيو/ حزيران الجاري)، يتجدّد الجدال حول دور المرأة وتمثيلها في مجلس النواب والأحزاب وحضورها في المشهد السياسي، في ظل التطور اللافت في حضور الجزائرية في المجتمع ومختلف القطاعات. لكنّ إدراج بند مؤقت في المادة 317 من قانون الانتخابات، يسمح للأحزاب وقوائم المستقلين بتجاوز إلزامية المناصفة بين الرجال والنساء في القوائم الانتخابية، يهدّد التمثيل النسائي في مجلس النواب.
لعبت المرأة أدواراً متقدمة في محطات تاريخية في الجزائر. وحتى خلال ثورة التحرير (1954 - 1962)، شاركت النساء في العمل الوطني والثوري بشكل لافت. ومنذ بدء الحراك الشعبي (فبراير/ شباط 2019)، كانت المرأة في الصفوف الأمامية. وفي تظاهرة الثامن من مارس/ آذار 2019 التي دفعت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفيلقة إلى اتخاذ خطوات تهدئة، كان حضور النساء طاغياً. إلا أنّ ذلك لم يجعل المرأة حاضرة في العمل السياسي. وفي الوقت الحالي، يعد وصول مرشحات في الانتخابات المقبلة معضلة حقيقية بالنسبة لكثير من الأحزاب والقوائم المستقلة، خصوصاً في المناطق والولايات الداخلية التي ما زال يغلب عليها الطابع المحافظ. ويعدّ الحضور النسائي في النشاطات السياسية والشأن العام هناك أقل بالمقارنة مع مدن الشمال وتلك الكبرى. هذا الواقع جعل الأحزاب تكتفي بأقل عدد ممكن من المرشحات في القائمة، والتخلي عن بند المناصفة الذي تسامح فيه القانون الانتخابي بشكل استثنائي، كونها انتخابات مبكرة تنظم في ظروف خاصة.
ويستند الفاعلون في العملية الانتخابية في التخلي عن المناصفة على البند الثالث من المادة 317، وهي مادة انتقالية (تطبق في الانتخابات المقبلة فقط)، تسمح لكلّ قائمة مرشحين تعذر عليهم تحقيق المناصفة بين النساء والرجال في الترشح، توجيه إبلاغ بذلك إلى لجنة الانتخابات التي توافق مباشرة على عدم المناصفة، علماً أنّ القانون السابق لا يفرض المناصفة فحسب، بل معها ترتيب تماثلي لتكون القائمة عبارة عن مرشح ثم مرشحة حتى نهاية القائمة، ما يعني أنّ هذه المادة باتت تمثل مقصلة حقيقية للتمثيل السياسي للمرأة في مجلس النواب.
أكثر من ذلك، كان القانون السابق يخصص ثلثي مقاعد البرلمان للمرأة، ما يعني حصول النساء آلياً على ثلث المقاعد في كلّ ولاية. فإذا كان عدد المقاعد في ولاية معينة هو عشرة، فإنّ ثلاثة مقاعد تخصص للنساء من القوائم الفائزة على حساب الرجال، بينما لا يخصص القانون الجديد الصادر في 12 مارس/ آذار الماضي أيّ حصة للمرأة في مجلس النواب. كذلك، يلغي وجوب شرط المناصفة، ما يعني أنّ تمثيل المرأة في مجلس النواب مهدد. وبالتالي، قد يكون عدد النائبات الأقل، بالمقارنة مع المجالس السابقة.
ويُفسّر عدم تخصيص القانون الانتخابي حصة خاصة بالمرأة اعتماده على نظام القائمة المفتوحة، الذي يعطي للناخب حق اختيار أيّ من المرشحين في القائمة، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، مع امتياز وحيد يمنحه القانون الانتخابي للمرأة؛ ففي حال تساوي الأصوات بين مرشح رجل وامرأة، تفوز الأخيرة بالمقعد النيابي. وفي المؤتمر النسوي الذي عقد مؤخراً، قال رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، إنّ الانتخابات المقبلة لا يجب أن تكون مناسبة للمتاجرة بالمرأة كما كان يحدث في الاستحقاقات السابقة. ويشير إلى أنّ موقف الحركة مساند للمزيد من التمكين للمرأة على جميع المستويات في إطار تكافؤ الفرص والإنصاف وليس في إطار المساواة. ويرى أنّ المناصفة في الترشيح لا تحقق شيئاً للمرأة.
بالإضافة إلى العائق القانوني، تمثل التقاليد والأعراف والعقليات المحافظة نسبياً في البلاد، عائقاً في سبيل تحقيق تقدم في ضمان تمثيل المرأة في المجالس المحلية. وما زال السلوك الانتخابي للناخب الجزائري ذكورياً، على الرغم من أنّ البيانات الرسمية تشير بوضوح إلى أنّ النساء هن الكتلة الكبرى في سجل الهيئة الناخبة في الجزائر بنسبة 57 في المائة. كما أنّ البنية المجتمعية للمدن والولايات الداخلية لم تتكيف مع الواقع الاجتماعي إذ باتت المرأة تفرض نفسها، مع الإشارة إلى أنّها تمثل حضوراً طاغياً في قطاعات مهنية وخدماتية مثل التعليم والصحة والقضاء والمحاماة والإدارة وغيرها.
على الرغم مما سبق، لم تتردّد المهندسة صباح بخوش، وهي من ولاية الأغواط (تبعد نحو 400 كيلومتر عن العاصمة الجزائر)، وتعد محافظة، في خوض غمار المنافسة الانتخابية والسعي للحصول على مقعد في البرلمان. وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ نشاطها في المجال الاجتماعي وتشجيع المقربين منها حفّزها على الترشّح وطلب ثقة الناخبين، مضيفة: "أعلم أنّ الأمر ليس سهلاً. المجتمع الجزائري ما زال متردداً حيال مشاركة المرأة في المشهد السياسي. وترفض العائلات أحياناً أن تعمل بناتهن في الشأن السياسي، وتفضل أن يكتفين بالمجالات المجتمعية أو الثقافية. لكنّني أعتقد أنّ هناك تطوراً نسبياً في الفترة الأخيرة في هذا الاتجاه، الأمر الذي سيشجع كثيرات، خصوصاً الناشطات، على خوض تجربة الانتخابات". وترى بخوش أنّ هناك نساء نجحن وأثبتن جدارة خلال توليهن مسؤوليات سياسية، ويمكن أن يكنّ قدوة لنساء أخريات.
وفي الآونة الأخيرة، باتت عمدة بلدية شيقارة بولاية ميلة شرقي الجزائر، زهية بن قارة، تشكّل نموذجاً رائداً للمرأة التي تسيّر بلدية بشكل ناجح وقدرة كبيرة على إدارة المشاريع والشأن العام، بالإضافة إلى ترشيد الإنفاق العام. واحتفت قنوات تلفزيونية عدة بهذه المرأة التي تدير بلدية في الريف الجزائري المعروف بطابعه الاجتماعي المحافظ.
في الغالب، يُشجّع الخطاب الرسمي في الجزائر خروج المرأة باتجاه الفعل والنشاط السياسي، وهو ما تركز عليه الحكومة خلال السنوات الأخيرة. لكنّ الباحث في علم الاجتماع كمال الحاني، يرى أنّ هناك مسافة فاصلة بين الخطاب الرسمي وبعض الخطوات الرمزية التي تكون في الغالب موجهة لاسترضاء المنظمات الأممية أكثر من كونها عملية حقيقية، وهو ما يؤكده عدد الوزيرات في الحكومة. فمن بين 36 وزيراً ليس هناك سوى خمس وزيرات أي أقل بكثير من النصف. ومن مجموع 58 حاكم ولاية لا يتجاوز عدد الولاة من النساء العشر.
يشار إلى أن تقديرات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أعلنت ترشح 5743 امرأة لانتخابات 12 يونيو/ حزيران الجاري، ضمن قوائم الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة.