مع استمرار تصاعد الأزمة في أوكرانيا والحديث عن غزو روسي وشيك، غادر العديد من البريطانيين، من ضمنهم أوكرانيو الأصل، أوكرانيا، في وقت اختار آخرون البقاء وعمدوا إلى تخزين الطعام والوقود. يأتي ذلك مع دعوة وزارة الخارجية البريطانية جميع حاملي جوازات السفر البريطانية إلى مغادرة البلاد فوراً وتحذيرهم من أنّه لن تكون هناك مساعدة عسكرية للهرب من أوكرانيا في حال اندلاع الحرب.
ومع ارتفاع حدّة التوتر يزداد الأوكرانيون المقيمون في بريطانيا قلقاً على الأهل والأقارب والأصدقاء في أوكرانيا. ويقول فلاديمير دايستوفسكي (21 عاماً)، وهو طالب جامعي، لـ "العربي الجديد": "المشكلة أنني أتابع الأخبار الأميركية والبريطانية بشكل يومي"، لافتاً إلى أنها "متحيزة". يضيف: "لست متأكداً من الوضع، لكنني وعائلتي قلقون حقاً بشأن أقاربنا هناك. نخشى توقف الهواتف وشبكة الإنترنت والتواصل في حال حدوث هجوم. يرفض أهلي مغادرة أوكرانيا لأنهم ما زالوا يأملون ألا يحدث شيء. وفي الوقت نفسه، تمنعهم كرامتهم وعزة نفسهم بعض الشيء من الاستسلام بسهولة والهرب من أرضهم. نفضل أن يأتوا إلى أيرلندا أو المملكة المتحدة وطلب اللجوء ونحاول إقناعهم بذلك. لكن المسألة ليست بهذه البساطة. الرحيل يعني البدء من الصفر في بلد غريب".
أمّا أولغا (اسم مستعار)، وهي في الخامسة والأربعين، فتقول إنّها تخشى على معارفها وأقاربها، خصوصاً شقيقها وعائلته في أوكرانيا كونه خدم في الجيش الأوكراني سابقاً. ومنذ فترة، تحاول إقناعه بالرحيل والعيش معها في المملكة المتحدة، لكنّه يرفض وهو متمسك بأرضه. تضيف أنّه يتم تدريب المدنيين حول كيفية التصرف والدفاع عن أنفسهم في حال نشوب حرب، لافتة إلى أن الحرب مستمرة منذ 8 سنوات بالفعل، وهذا ليس شيئاً جديداً. الناس يعيشون هذا القلق منذ فترة طويلة ويدركون أن الأمور يمكن أن تتصاعد بسرعة".
تتابع أولغا أنّه في ضوء الأحداث الأخيرة، طُلب من المدنيين التسجيل للدفاع عن الأراضي (في الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، أقرت أوكرانيا قانوناً يجعل قوة دفاعها الإقليمية فرعاً عسكرياً منفصلاً)، مشيرة إلى أنّ "أهلنا باقون في منازلهم ولا يوجد أي مكان يذهبون إليه. كما أنّ العديد ممن يستطيعون الرحيل لا يريدون ذلك لأنهم يرفضون التخلّي عن منازلهم. وحتى الآن، هم لا يشعرون بالذعر، لكنّهم قلقون ويأخذون احتياطاتهم".
تتابع أولغا: "قيل للناس أن يحملوا وثائقهم وبعض النقود ويجهزوا زجاجات المياه وحقائب تحتوي على الأشياء الأساسية في حال الاضطرار إلى المغادرة، واتباع التعليمات"، مشيرة إلى أنهم يعيشون يومياتهم كما جرت العادة وإن كان هذا لا يلغي التوتر. "نحن أيضاً نشعر بالخوف عليهم على اعتبار أن الوضع خطير حقاً. والسلام في أوروبا بأكمله على المحك وليس فقط في أوكرانيا". تضيف: "تراودني تساؤلات وشكوك كثيرة، لكنني أشعر بأنني بخير في الوقت الحالي وإن لم أكن متأكدة من الأجواء السائدة في أوكرانيا لأنني لم أسافر إليها منذ فترة".
من جهته، يقول الطالب الجامعي دايفيد (21 عاماً) لـ "العربي الجديد" إنّ "أقاربه يختبرون مشاعر مختلطة من القلق حيناً والهدوء أحياناً، على اعتبار أن المجتمع الدولي ما زال يراقب ويحذّر ولم يبدأ الهجوم". يتابع: "لست متأكداً إن كانت روسيا ستغزو البلاد بالفعل. لكن في نهاية المطاف، السياسة مليئة بالمفاجآت والصدمات. وبالنسبة لأجدادي، فهم يعيشون في الجانب الغربي من البلاد بالقرب من الحدود البولندية. لذلك، هم بأمان في الوقت الحالي".
ردّت الجالية الأوكرانية في المملكة المتحدة على التهديد بغزو روسي مطلقة نداء طارئاً للمساعدة الإنسانية. ويهدف نداء #HelpUkraine الذي أطلقته الكنائس والمنظمات المجتمعية ومجموعات الشباب في جميع أنحاء المملكة المتحدة، إلى جمع ما لا يقل عن 50 ألف جنيه إسترليني لتأمين البطانيات والمواد الغذائية والحزم الطبية وغيرها من المساعدات الإنسانية. ويتوقّع أعضاء الجالية الأوكرانية أن يواجه الملايين "البرد والجوع والعنف" إذا شنّت القوات الروسية هجوماً على أوكرانيا.
وفي السياق، يقول رئيس رابطة الأوكرانيين في بريطانيا بيترو ريوكو: "ما زالت لدينا جميعاً روابط واتصالات عائلية في أوكرانيا" موضحاً أنّ ما يثير القلق بشدة هو أنه في حال بدء الهجوم على الأراضي الأوكرانية سواء في شرق البلاد أو في كامل أراضيها، فقد تكون هناك كارثة إنسانية هائلة. ستؤدي الحرب إلى شل الاقتصاد الأوكراني لأنها ليست دولة غنية. يضيف أنّهم دعموا الجمعيات الخيرية ووكالات المعونة المعتمدة الموجودة في أوكرانيا التي تعمل على الأرض وتعرف ما هو مطلوب من الطعام والملابس والأدوية. وإذا لم تندلع الحرب، فسيستمر استخدام هذه الأموال لمساعدة المحتاجين في أوكرانيا.
بدوره، يقول كاهن أبرشية أوكرانيا في ليفربول القس تاراس خوميتش، إنّه وأبناء رعيّته قلقون على عائلاتهم في أوكرانيا، لافتاً إلى أنّه "لا ينبغي أن ننسى أنّ الحرب مستمرة بالفعل في شرق أوكرانيا منذ عام 2014. وخلال هذه المرحلة، كان هناك نحو 15 ألف وفاة ونزوح نحو مليون ونصف مليون شخص. لذلك، فإنّ الحرب مستمرة لكنّها ما زالت مستقرة في شرق البلاد. لكن في ظل تزايد الوجود العسكري الروسي، هناك خوف من حرب واسعة النطاق ستكلف آلاف الأرواح ولن يتم تشريد ملايين الأشخاص داخلياً فحسب، بل سيصبحون أيضاً لاجئين في أوروبا".
ويوضح أنّ "بريطانيا لا يمكنها تقديم أيّ التزامات بشأن أي لاجئين في هذه المرحلة". وتحذر وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، من أنّ "خطر غزو روسيا لأوكرانيا مرة أخرى مرتفع للغاية وأن الحرب قد تكون وشيكة". لكن في حديثها إلى هيئة الإذاعة البريطانية، توضح أنّ بريطانيا "لا يمكنها التعهد بأيّ التزامات لاستقبال لاجئين أوكرانيين بيد أنّها تعمل على المساعدة الإنسانية مع دول أخرى ومع المنظمات غير الحكومية الدولية".
ومنذ اندلاع الحرب في عام 2014، نزح نحو 1.5 مليون شخص داخلياً في أوكرانيا. ومع تصاعد التوترات بشأن تصعيد محتمل مع روسيا، تشعر العائلات التي فرت مرة من قبل بالقلق من أنّها ستضطر إلى الفرار مرة أخرى.