تستمر ردود الفعل الغاضبة من الاتفاق الذي أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه أبرمه مع رواندا لـ"ترحيل" طالبي اللجوء الذين يعبرون بحر المانش إلى معسكرات في البلد الأفريقي. وتصف أوساط حقوقية بريطانية ودولية هذا الاتفاق بأنه "غير أخلاقي في التعامل مع الفارّين من الأوضاع المتأزمة في بلادهم بحثاً عن حياة آمنة".
واللافت أن حكومة جونسون نفسها كانت قد أبلغت الأمم المتحدة، العام الماضي، بقلقها من "القيود المستمرة على الحقوق المدنية والسياسية وحرية الإعلام" في رواندا، ما يطرح السؤال حول بحث جونسون عن تغطية مناسبة لفضيحة مشاركته في "حفلات داونينغ ستريت" التي أقيمت في ظل القيود الصحية المفروضة بسبب جائحة كورونا، خصوصاً أن بريطانيا على أعتاب انتخابات، ما قد يساهم في كسب المحافظين أصوات القطاعات المعادية للمهاجرين.
ورحّبت رواندا، المعروفة باضطهادها العنيف للمعارضين وتملك تاريخاً حافلاً يشمل ارتكاب مجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان، بـ"الشراكة" التي ستكلّف المملكة المتحدة 120 مليون جنيه إسترليني (156 مليون دولار)، في مرحلة أولى، مع توقع تقديم المزيد لاحقاً.
وتأتي هذه "الشراكة" بعد عام من توقيع اتفاق أولي لإرسال طالبي لجوء في الدنمارك إلى رواندا، ما أثار أيضاً غضباً واسعاً في الأوساط الإعلامية والحقوقية الدنماركية تزامن مع السجال الكبير الذي أثاره موقف كوبنهاغن من اللاجئين السوريين، وطرح أسئلة في شأن "المبادئ الحقوقية للدنمارك"، والتي لا بدّ من أن تتجدد في بريطانيا اليوم بسبب تعاملها مع نظام يوصف بأنه "دكتاتوري" يرأسه بول كاغامي منذ 21 عاماً، رغم أن جونسون يشدد على رغبته في "إنقاذ أرواح لا تعدّ ولا تُحصى".
وفي مؤشر إلى أن الحكومة البريطانية ستمضي في تنفيذ قرارها من دون الاكتراث بردود الفعل الغاضبة، أعلن النائب في حزب المحافظين أندرو غريفيث أن الخطة لن تتطلب تشريعات جديدة ويمكن تنفيذها بموجب الاتفاقات القائمة خلال أسابيع أو أشهر قليلة. لكن المنظمات والهيئات الحقوقية تستبعد أن تردع الخطة التي تشمل أي شخص يصل إلى المملكة المتحدة بشكل سري المهاجرين اليائسين، وتتوقع أن تتسبب في تفاقم معاناتهم الإنسانية.
ورجح مصدر حقوقي، تحدث لـ"العربي الجديد"، أن "تُقابل الخطة بدعوات قضائية تستغرق ثلاث أو أربع سنوات، والتي ستفضي غالباً إلى أحكام في مصلحة المهاجرين، لكن هذه السنوات ستمنح الحكومة الوقت الكافي للمضي بالخطة المجحفة وغير الإنسانية".
وفيما طالبت أكثر من 160 جمعية خيرية الحكومة البريطانية بإلغاء الخطة التي انتقدتها أيضاً أحزاب المعارضة وحتى نواب في حزب المحافظين ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لم تتردد وزيرة الداخلية بريتي باتيل في تأييد الاتفاق مع رواندا، وأكدت أن منتقديه فشلوا في تقديم حلول بديلة لأزمة الهجرة، كما ذهبت إلى حد وصف الاتفاق بأنه "رائد، ويضع معياراً دولياً جديداً". لكن رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي ندد بالخطة خلال خطاب ألقاه في مناسبة عيد الفصح، وقال: "إنها لن تصمد أمام أحكام الله".
وعلّق مصدر مقرب من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي أدانت الخطة بشدّة، بالقول لـ"العربي الجديد": "تتفاقم المخاوف من أن تفتح هذه السياسات الباب واسعاً أمام اضطهاد اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، وتعزّز المعايير المزدوجة في التعامل مع هذا الملف. ونسأل كيف تدعو الحكومة البريطانية مواطنيها لفتح منازلهم للاجئين الأوكرانيين، وتقرّ حوافز مالية لمن يستضيفهم، في وقت تعلن فيه نيتها إرسال جميع المهاجرين الآخرين إلى رواندا التي تبعد مسافة 4 آلاف ميل؟".
وأكد خبراء أن التحول الحقيقي في الملف الدولي الخاص بالهجرة واللجوء جاء في نهاية الحرب الباردة، عندما فقدت الدول الغربية الحافز السياسي بالتزامن مع ارتفاع عدد اللاجئين إلى 18 مليوناً، أي أكثر بتسعة أضعاف من العدد الذي كرّس العالم على أساسه قواعد اللجوء في اتفاق عام 1951، ونبهوا إلى الخطر الناتج من الأحكام المسبقة التي تضيّق الخناق على شعوب بكاملها وتؤدي إلى انتقائية سياسية وديموغرافية في ملف استقبال اللاجئين، إذ تفتح بريطانيا أبوابها بحراً وجواً للأوكرانيين، بينما ترحّل حاملي "الهويات القاتلة" لمواجهة مصيرهم في رواندا.
أيضاً، يشكل الاتفاق بين بريطانيا ورواندا خرقاً أخلاقياً وقانونياً، لأنه يمنح رواندا حرية التصرّف بملفّات اللجوء التي تدرسها وفقاً لمصالحها الداخلية تمهيداً للموافقة عليها أو رفضها الذي يستدعي ترحيل صاحب الطلب إلى بلده حيث يحتمل أن يواجه كل أنواع المخاطر. وهكذا تتنصل بريطانيا من مسؤولية اتخاذ قرار مخالف للأعراف الدولية، علماً أن الترحيل من رواندا لا يشكل فضيحة مماثلة للترحيل من بريطانيا أو من بلد أوروبي.
ويبدو جلياً أن الحكومة البريطانية عاجزة عن تنفيذ التزاماتها في هذا الملف بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي، وعدم التوصل إلى اتفاق في ملفات كثيرة أخرى، بينها ملف الهجرة، الذي يحتاج إلى تنسيق عالي المستوى مع الفرنسيين مثلاً أو مع الجيران الآخرين في الاتحاد الأوروبي لمعالجة الأزمة بشكل عادل وفعّال يمهد لخلق طرق آمنة عبر التأشيرات الإنسانية التي تمنحها السفارات البريطانية في أوروبا بعد إخضاعها لدراسة وتقييم.