على شاطئ بحر قريب من بيوت مخيم دير البلح في قطاع غزة، يقصد سكان من المخيم تلة عالية يجلسون عليها لمشاهدة الغروب وانطلاق مراكب الصيد. هناك يعمل الحاج أبو شادي طومان وأربعة من أبنائه على بسطة العائلة.
يعيش أحمد سالم طومان (61 عاماً) الذي رزق بثمانية أبناء بينهم 4 متزوجون، مع 25 فرداً يتألفون من زوجته وأبنائه وزوجاتهم وأحفاده، في منزل بالمخيم. وقد افتتح مشروع البسطة برفقة أبنائه الأربعة المتخرجين من الجامعات في أغسطس/ آب 2020، وأطلق عليها اسم "تومانكو" نسبة لعائلته، ويؤكد أنه يحب عمله كثيراً، لأنه عمل 38 عاماً طباخاً.
على البسطة، يبيع طومان مأكولات سريعة مثل الدجاج القلي والمشوي والهمبرغر والنقانق والكبدة بالبصل والمحمّرة بالخبز الإفرنجي، والمشروبات الساخنة والباردة. ويعمل 18 ساعة يومياً بمساندة أبنائه الأربعة الذين قست عليهم ظروف الحياة التي منعتهم من الحصول على وظائف، أو حتى عقود عمل مؤقتة بعد التخرج من الجامعات.
وكان شادي البالغ 39 عاماً والأب لثلاثة أطفال قد تخرج من الجامعة بتخصص إدارة أعمال وعمل في بيع الملابس، لكنه لا يزاول أي عمل منذ عامين، في حين نال إبراهيم (32 عاماً) شهادة في هندسة الديكور وعمل في مصنع حجارة معروف، قبل أن يصبح عاطلاً عن العمل منذ عام. أما مؤمن (26 عاماً) فمتخصص في تكنولوجيا المعلوماتية، لكنه لم يزاول أي مهنة أبداً، في حين أن شقيقه موسى (24 عاماً) متخصص في الإلكترونيك، لكنه لا يستطيع التنقل بسهولة بسبب إعاقة في يده وساقه.
ويعتبر طومان الأب أن الظروف الاقتصادية السائدة "قتلت" طموحات أبنائه في الحصول على وظائف، فولدت فكرة تنفيذ مشروع بسيط يجمعهم معه بعدما أصبح نفسه بلا عمل أيضاً. يقول لـ"العربي الجديد": "عملت طباخاً منذ أن بلغت 12 من العمر، واكتسبت طوال 38 عاماً خبرات كبيرة في إعداد المأكولات الشرقية والغربية. وحين توقفت عن العمل بعد الحصار الإسرائيلي والأحداث التي أعقبت الانتفاضة الثانية عام 2000، عملت في البناء لمدة قبل أن أجبر على ترك العمل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وانتشار فيروس كورونا، وأفكر بإنشاء بسطة في المكان ذاته الذي كنت أجلس فيه على كراسي أحضرها من المنزل مع أبنائي العاطلين عن العمل. وطالبت مسؤولي مسجد الرنتيسي بمنحي الإذن بتنفيذ المشروع في الجهة المقابلة له كي لا أزعج المصلين، فسمحوا لي بكسب الرزق".
مع بداية أغسطس/ آب 2020، بدأ طومان في نشر الكراسي، والاستيقاظ باكراً لشراء اللحوم والخضروات ولوازم البسطة من سوق المخيم: "أعدّ الهمبرغر وأصناف لحوم كثيرة بنفسي، وأضعها في الخبز الإفرنجي لجعلها سندويشات غربية. وهذا ما يميز البسطة بالنسبة إلى سكان دير البلح الذين باتوا يعرفونني جيداً، ويفضلون تناول الوجبات التي أقدمها قرب الشاطئ".
يستقبل الابن البكر، شادي، الزبائن ويحاسبهم، ويقدم مؤمن الطلبات لهم، بينما يعدّ موسى المشروبات الساخنة، ويعمل إبراهيم في المساء، ويبقى قرب البسطة بسبب صعوبة نقلها وكلفته.
يقول شادي الذي يعيش مع زوجته في غرفة واحدة، باعتباره لم يحصل على فرصة عمل لبناء منزل جيد لأطفاله الثلاثة، لـ "العربي الجديد": "يتميز مشروع والدي بأنه بسيط جداً. وقد استطعنا تصميم عربة وبسطة صغيرة قربها، ونحن نبدأ في مشروع بإمكانات متواضعة، مع الحرص على أن يتوافق مع رغبات الناس. ونبيع مثلاً سندويشات بمبلغ شيكل واحد (30 سنتاً أميركياً) كي نضمن إقبالهم على مأكولاتنا، ونتطلع إلى تحقيق حلم فتح مطعم عائلي كبير". ويشير إلى أنه يلتقي مع أشقائه العاملين في البسطة بزملاء سابقين لهم في الجامعات حصلوا على وظائف توفر لهم اليوم أجوراً ثابتة "فنشعر بضيق لأننا لم نمنح فرصاً مماثلة، لكننا مقتنعون بأن عملنا يمثل ظاهرة بالنسبة إلى الشبان الخريجين في غزة".
ويوضح شادي أنه اشترى مع والده وشقيقه المعدات اللازمة لتشغيل البسطة بنظام التقسيط، بعدما تعرض والده لخسائر مالية في عمله الأخير بسبب جائحة كورونا. ويشير إلى أن المشروع واجه في البداية مشكلات مع جهاز الشرطة البحرية الذي يشرف على الأرض القريبة من المسجد "لكنّ حبّ الناس لوالدي جعل مسؤولي هذا الجهاز يسمحون ببقائنا في المكان، مع ضماننا الحفاظ عليه وتنظيفه".