كشفت دراسة مشتركة بين خبراء من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، نشرت على موقع شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية، ومقرها الولايات المتحدة الأميركية، أنّ الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، في الشهرين الأولين، أسفرت عن توليد ما لا يقل عن 281000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون.
ووفق الدراسة التي أوردتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، الثلاثاء، فإن تكلفة المناخ خلال الـ60 يوماً الأولى للحرب تعادل إحراق ما يقارب 150 ألف طن من الفحم، وهو ما يعني أن الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن الحرب أكبر من البصمة الكربونية السنوية لأكثر من 20 دولة حول العالم من الدول الأكثر تسبباً لانبعاثات الكربون.
Emissions from Israel’s war in Gaza have ‘immense’ effect on climate catastrophe https://t.co/P0dAdAMXp8
— Guardian Environment (@guardianeco) January 9, 2024
وبينت أن البصمة الكربونية العسكرية الإسرائيلية السنوية تكاد تكون أعلى من البصمة الكربونية للكثير من الدول المجاورة، وتقدر بنحو 7 ملايين طن متري من ثاني أكسيد الكربون في العام 2019، وهو ما يعادل تقريباً إجمالي انبعاثات دولة مثل قبرص، ونحو 55 في المائة أعلى من انبعاثات فلسطين بأكملها.
الحرب الإسرائيلية: تكلفة بيئية كبيرة
تعد الحرب ضد قطاع غزة واحدة من أكبر الحروب المسببة لأزمات مناخية، والتي أنتجت تداعيات كارثية مختلفة.
وبحسب تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإن تلوث المياه في القطاع له انعكاسات صحية، فقد أثرت الحرب وما نتج عنها على إمدادات المياه التي باتت ملوثة، ناهيك عن الانبعاثات التي تطاول الهواء المملوء بالدخان السام الناتج من حرق المباني، وبالتالي أصبح كل جانب من جوانب الحياة في قطاع غزة مليئاً بشكل من أشكال التلوث.
ويعرف غاز ثاني أكسيد الكربون (أو غاز CO2) بأنه غاز عديم اللون والرائحة، لكن يساهم تزايد كميات هذا الغاز في غلاف الكرة الأرضية الجوي في استفحال ظاهرة الاحتباس الحراري.
لا يخفي معدو الدراسة أن التكلفة البيئية للحرب مرتفعة للغاية، فعلى الرغم من أن الدراسة لم تتم مراجعتها، إلا أنها تضمنت تحليلاً أساسياً عن الوقود الناتج عن الآليات العسكرية المستخدمة في الحرب من طائرات، ودبابات، وقنابل، وغيرها، ناهيك عن قياس الانبعاثات نتيجة التدمير الحاصل في البنى التحتية، إذ تظهر البيانات أن ما بين 36 و45% من المباني في قطاع غزة جرى تدميرها، والتي تشمل المدراس والمنازل والمستشفيات، وقد أدت إلى إنتاج انبعاثات كربونية.
من جهة أخرى، فقد ساهم بناء الجدار الحديدي الإسرائيلي، الذي يمتد لمسافة 65 كيلومتراً على طول معظم حدودها مع غزة، ويتميز بكاميرات مراقبة وأجهزة استشعار تحت الأرض وأسلاك شائكة وسياج معدني بارتفاع 20 قدماً، وحواجز خرسانية كبيرة، بحوالي 274,000 طن من ثاني أكسيد الكربون. وهذا يعادل تقريباً انبعاثات عام 2022 بأكملها في جمهورية أفريقيا الوسطى.
ويقدر البحث أن الانبعاثات الكربونية من أجل إعادة بناء 100 ألف مبنى متضرر في غزة باستخدام تقنيات البناء المعاصرة ستولد ما لا يقل عن 30 مليون طن متري من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهذا يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في نيوزيلندا، وأعلى من 135 دولة ومنطقة أخرى، بما في ذلك سيريلانكا ولبنان وأوروغواي.
وتعتبر العواقب المناخية، بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر والجفاف والحرارة الشديدة، واحدة من أبرز العوامل التي تهدد بالفعل إمدادات المياه والأمن الغذائي في فلسطين. ويحذر الخبراء في الدراسة من أن الوضع البيئي في غزة أصبح الآن كارثيا، حيث جرى تدمير أو تلويث جزء كبير من الأراضي الزراعية والبنية التحتية للطاقة والمياه، مع ما يترتب على ذلك من آثار صحية مدمرة ربما تستمر لعقود قادمة.
دور الولايات المتحدة في الأزمة البيئية
ولا تخفي الدراسة دور الولايات المتحدة في الأزمة البيئية. وقال المؤلف المشارك باتريك بيغر: "لا تمكن المبالغة في تقدير دور الولايات المتحدة في التدمير البشري والبيئي لغزة". وبحسب الدراسة، تلعب الولايات المتحدة دوراً هائلا في الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الأنشطة العسكرية، على اعتبار أنها تزود إسرائيل بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والأسلحة وغير ذلك من المعدات التي تنشرها في غزة والضفة الغربية.
وبحسب ما أوردت الصحيفة البريطانية، فإنه بحلول 4 ديسمبر/ كانون الأول، ورد أن ما لا يقل عن 200 رحلة شحن أميركية قد سلمت 10000 طن من المعدات العسكرية إلى إسرائيل. ووجدت الدراسة أن الرحلات الجوية استهلكت حوالي 50 مليون لتر من وقود الطائرات، مما أدى إلى إطلاق ما يقدر بنحو 133 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي- أي أكثر من جزيرة غرينادا بأكملها.
لا تعتبر المسؤولية الأميركية محصورة في قطاع غزة. ففي العام 2022، أفاد الجيش الأميركي بأنه أنتج ما يقدر بـ 48 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وفقًا لبحث منفصل أجرته نيتا كروفورد، مؤلفة كتاب "البنتاغون وتغير المناخ والحرب". وكانت هذه البصمة الكربونية العسكرية الأساسية، والتي تستبعد الانبعاثات الناتجة عن الهجمات على البنية التحتية النفطية لتنظيم "داعش" في عام 2022، أعلى من الانبعاثات السنوية لـ150 دولة ومنطقة، بما في ذلك النرويج وأيرلندا وأذربيجان.
مسؤولية دولية
في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل مسؤولية دولية بعد رفع جنوب أفريقيا دعوى في محكمة العدل الدولية، فإن الحديث عن مسؤولية دولية بسبب الانتهاكات الخاصة بالمناخ قد تكون قضية لافتة وحساسة ضد الجانب الإسرائيلي. ولطالما تغنت إسرائيل بدورها في تقديم حلول للأزمة المناخية، وروج الوفد الإسرائيلي في مؤتمرات المناخ العديدة إلى أن التكنولوجيا المناخية المزدهرة في إسرائيل، وتحديداً في مجالات مثل احتجاز الكربون وتخزينه، وتجميع المياه وبدائل اللحوم النباتية، تضع إسرائيل في قائمة الدول الأكثر مساهمة في إيجاد الحلول.
وكان جدعون بيهار، المبعوث الخاص لتغير المناخ والاستدامة، قد روج مراراً لمزاعم أن أكبر مساهمة لإسرائيل في أزمة المناخ تأتي في شكل الحلول، لكن نتائج هذه الدراسة تشير إلى عكس ذلك، إذ تظهر انبعاثات الكربون الناجمة عن الهجمات العسكرية بأنها تتعارض مع أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس.
ويعد الاستثناء البيئي للجيش واحداً من التحديات التي تواجهها المؤسسات الدولية، إذ إن إفلات الجيوش من العقاب يسمح بزيادة التلوث. وجدت دراسة أن الجيوش عادة ما تكون مسؤولة عن ما يقرب من 5.5 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم سنوياً، أي أكثر من صناعات الطيران والشحن مجتمعة، وهذا يجعل البصمة الكربونية العسكرية العالمية رابع أكبر مسبب للانبعاثات بعد الولايات المتحدة والصين والهند.
ويقول ديفيد بويد، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة: "يساعدنا هذا البحث على فهم الحجم الهائل للانبعاثات العسكرية الناتجة عن الاستعداد للحرب، وتنفيذها، وإعادة البناء بعد الحرب. إن الصراع المسلح يدفع البشرية إلى شفا كارثة مناخية، وهو وسيلة غبية لإنفاق ميزانيتنا المتقلصة من الكربون"، بحسب ما نقلت عنه "ذا غارديان".
فيما يعتبر ران بيليج، مدير العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية، لصحيفة "ذا غارديان"، أن مسألة حساب انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي، الحالية أو السابقة، لم تتم مناقشتها، وبالتالي فإن هذه الدراسة تعد الأولى من نوعها التي يثار فيها هذا النوع من القضايا.
وقد علق ليور حيات، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، على هذه الدراسة بالقول إن "إسرائيل لم تكن تريد هذه الحرب".
ولا تخفي هديل خميس، رئيسة مكتب تغير المناخ في سلطة جودة البيئة الفلسطينية، "مأساة قطاع غزة نتيجة الانبعاثات الكربونية"، بحسب تعبيرها، فإنه "قبل الحرب لم يكن من السهل بالنسبة إلى الفلسطينيين التكيف والتخفيف من آثار الانبعاثات المناخية". وتقول: "لم يكن بمقدور السكان، حتى قبل الحرب، الوصول إلى المياه النظيفة والنقية، بسبب الإجراءات الإسرائيلية".
ومشكلة تغير المناخ قد تكون واحدة من أكثر القضايا التي تواجهها دولة فلسطين في العقود المقبلة، وفقاً لما جاء في صحيفة "ذا غارديان".