تريد الحكومة المصرية أن تحقق ربحاً على حساب المواطنين، حتى إن تعلق الأمر بمكافحة وباء يهدد العالم بأسره. فالمعلومات تشير إلى أنّها ستبيع لقاح "أسترازينيكا" بما يصل إلى أربعة أضعاف ثمنه، للفئات غير المشمولة بمجانية التطعيم
قالت مصادر مطلعة في وزارة الصحة المصرية إنّ الحكومة تعتزم بيع الجرعة الواحدة من لقاح "أسترازينيكا" المضاد لفيروس كورونا الجديد، الذي طورته الشركة البريطانية - السويدية، بالتعاون مع جامعة "أوكسفورد" البريطانية، وتسلمت القاهرة قبل أيام شحنة أولى منه بلغت 50 ألف جرعة، بمبلغ يتراوح بين 100 جنيه (6.35 دولارات أميركية) و200 (12.70 دولاراً)، عقب الانتهاء من تلقيح الطواقم الطبية، وكبار السن، والمرضى المزمنين، مشيرة إلى إعفاء غير القادرين من ثمن الجرعة وفقاً لبياناتهم المسجلة لدى وزارة التضامن الاجتماعي. أضافت المصادر أنّ لقاح "أسترازينيكا/ أوكسفورد" رخيص الثمن مقارنة باللقاحات الأخرى، بعدما تعهدت شركتا "أر فارما" و"سيروم إنستيتيوت" المصنعتان له بعدم تحقيق أرباح من اللقاح، مبينة أنّ سعر الجرعة الواحدة يبلغ 3 دولارات، أي ما يعادل 47 جنيهاً مصرياً، الأمر الذي يعني تحقيق الحكومة أرباحاً من وراء بيع اللقاح للمواطنين، لتعويض المبالغ التي ستتحملها من جراء توزيعه بالمجان لغير القادرين منهم. تابعت المصادر في حديث خاص أنّ لا دولة في العالم تبيع لقاح فيروس كورونا لمواطنيها في ظلّ التداعيات السلبية للأزمة الراهنة، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام السوق السوداء داخل مصر، وإيجاد سعرين؛ رسمي وغير رسمي للقاح. وتجدر الإشارة إلى أنّ فاعلية اللقاح هذا تعادل 70 في المائة فقط، ويعتمد على ناقل فيروسي معدّل لمكافحة الفيروس، لكنّه سهل التخزين في الوقت نفسه، إذ يتطلب درجة حرارة بين 2 و8 درجة مئوية. وأشارت المصادر إلى ما أعلنته وزارة الصحة والسكان من أنّه لم يتم حتى الآن فتح الموقع الإلكتروني الخاص بتسجيل وحجز لقاح كورونا لجميع المواطنين، وتأكيد الوزارة أنّ هذا الأمر مرهون بتوفير كميات أكبر من اللقاح، تكفي عدد المسجلين. وقالت المصادر إنّ الموقع جرى الانتهاء من تجهيزه ويستوعب تسجيل أعداد كبيرة من المواطنين ويضمن سرية البيانات والمعلومات.
وأعلنت الهيئة المصرية للشراء الموحد، المسؤولة عن إمدادات الأدوية والمستلزمات الطبية، واختبار اللقاحات والعقاقير في مصر، ومنح تراخيص استخدامها وتعميمها، منح ترخيص طارئ لاستخدام لقاح "أسترازينيكا/ أوكسفورد" الذي تسلمت مصر 50 ألف جرعة منه فقط، من إجمالي 20 مليوناً تعتزم شراءها من هذا اللقاح بالذات، من دون أن تعلن عن فاعلية اللقاح وفقاً للاختبارات التي من المفترض أن تكون قد أجرتها قبل الترخيص. ولم تعلن أي جهة رسمية مصرية عن تفاصيل البرنامج المحلي لتلقيح المواطنين حتى الآن، مع انخفاض كميات الجرعات الموجودة حالياً في مصر لأقل من 100 ألف جرعة. ويتواصل على مدار الأسبوعين المقبلين وصول شحنات إضافية من لقاحي "سينوفارم" الصيني و"أسترازينيكا" لكفاية احتياجات الطواقم الطبية في مصر، لكنّ هذه العملية قد تطول مدتها إلى ما بعد وصول الكميات المخصصة للتداول التجاري.
وأقام فريق "دفاع" التابع لمكتب المحامي خالد علي، الأحد الماضي، الدعوى القضائية رقم 28585، قضاء إداري، موكلاً عن إلهامي الميرغني، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ورانيا الخولي (لم توضَح صفتها)، ضدّ كلّ من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة، للمطالبة بطرح لقاحات كورونا بالمجان لجميع المواطنين. وكانت وزارة الصحة قد أعلنت أنّ التطعيم سيكون بالمجان لشريحتين فقط من المصريين، هما: الأطقم الطبية في كلّ المستشفيات على مستوى البلاد، والمواطنون الذين يطبق عليهم برنامج المساعدات الحكومية لغير القادرين "تكافل وكرامة"، أما بقية المواطنين فلن يكون تطعيمهم مجانياً.
من جهتها، قالت الخولي إنّ القانون المصري ينصّ على أن كلّ التطعيمات في مواجهة الكوارث والأوبئة تكون بالمجان لجميع المواطنين. كذلك، قال الميرغني: "نحن كمواطنين نتعرض لوباء شرس، ويجب أن يكون حرص الحكومة على توفير هذه التطعيمات للجميع، والتأكد من حصولهم عليها بغضّ النظر عن قدراتهم المادية، ومن دون إلزامهم أو إجبارهم على دفع أيّ مبالغ مهما كانت قيمتها مقابل تطعيمهم ضد هذا الوباء". وجاء بصحيفة الطعن أنّه "قد يكون من المقبول القول إنّ هناك ترتيب أولويات للفئات التي ستحصل على التطعيم مثل الطواقم الطبية، وكبار السن، والأمهات، والذين يقدمون خدمات حيوية واستراتيجية للجمهور، وغيرهم، بحسب قدرة الدولة على استيراد اللقاحات إلى حين نجاحها في تصنيعها بالمصانع المصرية، أما جعل التطعيم بمقابل مادي فهو أمر مخالف لصريح القانون بغضّ النظر عن قيمة هذا المقابل التي يجرى إعلانها الآن". وفي هذا الإطار، قال محمد فتحي، المحامي في فريق "دفاع" إنّه لا يمكن الادعاء بأنّ حصول المواطنين المصريين على التطعيم بالمجان يمثل عبئاً على الموازنة العامة أو خزينة الدولة، وذلك لعدة أسباب، أولها أنّ "المواطن هو قاطرة التنمية، وحماية حياته، ورعاية صحته، وضمان حقه في الحياة هي أهم أولويات الدولة، ولا يمكن أن يقدر ذلك بثمن".
وسبق أن كشفت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" أنّ المنظومة الإلكترونية لتسجيل المواطنين الراغبين في الحصول على اللقاح لن تعمل على أساس ترشيح الأعداد لاستثناء القادرين على الدفع، بل ستقوم على ترشيحها لاستثناء غير القادرين، ما يعني أنّ الغالبية العظمى من اللقاحات ستوزع مقابل مبلغ مالي يختلف بحسب نوعها، وربما يختلف أيضاً بحسب مقدم الخدمة نفسها، وما إذا كان المواطن سيحصل عليها في المراكز العامة الخاصة باللقاح أو المستشفيات أو بمعرفته الشخصية.
وأفادت المصادر أنّ مرحلة التداول التجاري ستبدأ خلال فبراير/ شباط الجاري، وربما تسبق إتمام مرحلة وصول اللقاحات المجانية إلى جميع الفئات المستهدفة الأولى بالرعاية، وعلى رأسها الطواقم الطبية، باعتبار أنّ الكميات المتوفرة حالياً لا تكفي جميع الأطباء والممرضين والعاملين الفنيين والإداريين في المستشفيات، سواء العزل أو العامة في مختلف المحافظات، والبالغ عددهم 207 آلاف شخص تقريباً.
وكانت مصر قد أطلقت حملة التلقيح من أحد مستشفيات العزل في محافظة الإسماعيلية بلقاح "سينوفارم" يوم الأحد قبل الماضي، وسط اعتراضات من أفراد الطواقم الطبية المستهدفين للتطعيم بلقاح كورونا الصيني، الذي تعاقدت مصر على 20 مليون جرعة منه. ويحذر مسؤولون صحيون من أنّ معدل فحوص كورونا في مصر منخفض، ما يعني أنّ عدد الإصابات الحقيقي قد يكون أعلى بعشر مرات على الأقل من المعلن عنه.