خلال ثلاث سنوات سيبدأ ظهور ملامح الشيخوخة في المجتمع الصيني، والتي يتوقع أن تتجاوز نسبة 20 في المائة من السكان فوق سن الـ60. وبحلول عام 2035 ستصبح الصين مجتمعاً شديد الشيخوخة يضم 400 مليون مواطن فوق سن الـ 60 عاماً يمثلون نسبة 30 في المائة من إجمالي عدد السكان، بحسب ما أفادت اللجنة الوطنية للصحة في البلاد أخيراً.
ورغم أن السلطات الصينية حاولت خلال السنوات الماضية استدراك الواقع الجديد من خلال تنفيذ سياسات وإقرار تشريعات جديدة للحد من آثار الشيخوخة، بينها تحسين نظام الضمان الاجتماعي، وزيادة نسبة المعاش التقاعدي، إضافة إلى تكثيف خدمات الرعاية، لم ينجح ذلك في تخفيف الآثار المترتبة على زيادة نسبة المسنين في المجتمع، والتي ترافقت مع تراجع معدلات المواليد الجدد، وعزوف الأجيال الشابة عن الزواج والإنجاب.
وخلال العقد الماضي، حقق متوسط أعمار الشعب الصيني قفزة تاريخية وصولاً إلى 78 عاماً عام 2021، مقارنة بـ 74 عاماً في 2011. وعزت اللجنة الوطنية للصحة تزايد متوسط أعمار الصينيين إلى قرارات رئيسية مثل التعديل التدريجي لسياسات تحديد النسل وتعزيز التنمية السكانية طويلة الأجل وتحسين الحالة الصحية للمسنين، لكنها أكدت تباطؤ نمو إجمالي عدد السكان في شكل كبير، وانخفاض معدل المواليد العام، وتفاقم مشكلة الشيخوخة.
يقول الخبير الديموغرافي شياو لينغ لـ"العربي الجديد": "نجحت السلطات الصينية في زيادة متوسط عمر الفرد إلى معدلات قياسية خلال السنوات الماضية، ما عكس تحسن المستوى الصحي للشعب الصيني والخدمات الطبية المتوفرة في شكل كبير مقارنة بدول أخرى".
ويلفت أن نظام المعاشات والتأمين الصحي غطى العام الماضي حوالي 1.3 مليار نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ 1.4، وأن خدمات الرعاية طويلة الأجل للمسنين شملت 50 مدينة ضمت 147 مليون شخص. وأنشأت الدولة خلال الربع الأول من العام الحالي 350 ألف مركز لرعاية المسنين، ونحو 50 ألف مركز تعليمي وتثقيفي لكبار السن، تنفيذاً لسياسات تهدف إلى بناء مجتمع صديق للمسنين، في محاولة للتصدي بفعّالية لشيخوخة السكان".
ويشير إلى أن اللجنة الوطنية للصحة تعمل في تجاه آخر لتحسين سياسات الإنجاب من خلال التنفيذ المتتالي لسياسة الطفل الثاني والطفل الثالث، وإلغاء جميع القيود التي كانت مفروضة على السكان خلال العقود الماضية، إلى جانب انتهاج سياسات تحفيزية تشجع الأزواج على الإنجاب، ومعالجة مشكلة الخصوبة. ويؤكد أن نسبة المواليد الجدد بين الجنسين بدأت تتحول تدريجياً إلى المستوى الطبيعي بعد عقود من اختلال التوازن بين الذكور والإناث بسبب سياسة الطفل الواحد، وكذلك مستويات الولادة والتنشئة الصحية.
وتعليقاً على أزمة الشيخوخة في الصين، يقول الباحث الاجتماعي تيان شانغ لـ"العربي الجديد": "الحديث عن تطور رعاية المسنين وزيادة متوسط عمر الفرد مجرد مساحيق لتجميل حقيقة أن المجتمع الصيني بات كهلاً. ورغم أن العمر الطويل يعكس التقدم في المجتمع على المستويين الصحي والطبي، لكنه يؤدي أيضاً إلى مزيد من المشاكل في دولة تعتمد على الشباب لاستكمال مسيرة التنمية، خصوصاً في ظل حال الجمود السائدة في موضوع الاستجابة المجتمعية للحوافز الحكومية، وبالتالي لن يحل تحسين خدمات الرعاية الصحية للمسنين الأزمة إذا استمرت الأجيال الجديدة في العزوف عن الإنجاب، واستمر معدل المواليد الجديد أدنى من المعدل الطبيعي في العالم.
ويتوقع أن "تظهر تداعيات أزمة الشيخوخة في الصين خلال العقد المقبل، حين يبلغ عدد من تتجاوز أعمارهم الـ 60 حاجز الـ 400 مليون. والصين التي تميزت خلال العقود الماضية بوفرة العمالة وتدني مستوى الأجور مقارنة بدول أخرى مثل الولايات المتحدة، ستفقد ميزتها التنافسية على المستوى البعيد، وقد تضطر إلى فتح الباب على مصراعيه أمام العمالة الوافدة للحفاظ على دوران عجلة التنمية، لكن تأثير ذلك سيجعلها تتراجع تدريجياً عن مكانتها الاقتصادية كثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وعلى صعيد التأثير الاجتماعي، يرى تيان شانغ أن "أسر الطفل الواحد التي تتكون من جد وجدة وأب وأم وطفل وحيد، وتمثل نحو 65 في المائة من إجمالي الأسر الصينية، ستتعرض للانقراض بسبب عزوف الأجيال الجديدة عن الإنجاب، ما يعني أن ملايين الأسر ستمسح من السجلات المدنية، ما يحدث فجوة كبيرة بين الأجيال يضاف إلى سلبيات الاختلال القائم بين نسبة الذكور والإناث بسبب سياسات تحديد النسل التي فرضتها السلطات في سبعينات القرن الماضي".
يذكر أن المكتب الوطني للإحصاء يؤكد تراجع معدلات الزواج في أنحاء البلاد بطريقة غير مسبوقة. ففي عام 2020، جرى تسجيل 8.14 ملايين زواج مقارنة بـ 13.47 مليوناً عام 2013. وفي غضون ذلك، انخفضت معدلات المواليد خلال العام الماضي إلى 7.5 مواليد لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.