في وقت يستمر برنامج الأغذية العالمي في تخفيض قيمة السلة الغذائية التي أصبحت 40 دولاراً بدلاً من 60، منذ بداية العام الحالي، ما شكل التخفيض الخامس للبرنامج في إدلب وشمال غربي سورية، باتت الأسر الفقيرة على مشارف كارثة حقيقية ومجاعة قد تطاول آلافاً منها، خصوصاً تلك النازحة التي تقيم في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، مع عدم توفر فرص عمل لأفرادها من أجل تأمين الحدّ الأدنى من الغذاء والدواء.
تقول لينا الحجوج (55 عاماً) لدى تنظيفها خيمتها المصنوعة من نايلون وأقمشة مهترئة في مخيمات إدلب العشوائية لـ"العربي الجديد": "لا أعلم ماذا سأفعل إذا استمر تخفيض المساعدات أو إيقافها. أعاني من الضغط والسكري، وأنا غير قادرة على القيام بأي عمل لتأمين دخل شهري أعيل به نفسي بعد وفاة زوجي قبل عامين".
أما مريم البكري (33 عاماً)، النازحة من قرية بلين جنوبي إدلب وتقيم في مخيمات أطمة شمالي إدلب، فتعتمد على أموال ادخرتها سابقاً، لكنها تكاد أن تنفد، وتحاول تلبية المتطلبات المعيشية والحياتية لأبنائها الخمسة من خلال البحث عن أي فرصة عمل متوفرة. وتخبر "العربي الجديد" أنها بدأت تعمل لساعات طويلة وبأجر قليل في ورشات زراعية من أجل تحقيق الاكتفاء، وسدّ النقص الناجم عن تخفيض السلل الغذائية. وتقول: "يبقى العمل أفضل من استجداء عطف آخرين أو سؤالهم عن مساعدة. ورغم العمل الشاق الذي يتطلب الانطلاق يومياً في ساعات الصباح الأولى لتنظيف التربة من أعشاب ضارّة، وجني المحاصيل مقابل أجرة يومية لا تتجاوز 60 ليرة تركية (2,29 دولار)، لكنه أفضل الحلول حالياً".
وتناشد المنظمات الدولية المعنية بالشأن الإنساني توفير حلول سريعة لتفادي وقوع مأساة سببها الجوع والفقر، وقلة فرص العمل، في وقت باتت المساعدات الغذائية قليلة جداً رغم تعاظم الحاجة، وتزايد المعاناة والفقر المدقع الذي يحاصر حياة كثيرين. وتشير إلى أن "التضخم الكبير في الأسعار وانخفاض قيمة الليرة التركية بشكل جنوني أمام الدولار أربكا كثيرين ممن يتقاضون أجورهم بهذه العملة".
وتقول مروى البركات (31 عاماً)، وهي نازحة تقيم في مخيمات بنش شرقي إدلب، لـ"العربي الجديد": "أواجه صعوبات الحياة بمفردي بعد وفاة زوجي بوباء كورونا نهاية عام 2021، وأفتقر مع أبنائي الأربعة إلى احتياجات أساسية كثيرة، علماً أن الفواكه واللحوم لم تزر خيمتنا منذ وقت طويل".
وتؤكد أنها بحثت طويلاً عن عمل بلا جدوى، وأن حالتها المادية بالتالي صعبة للغاية في وقت لم تعد المساعدات المقدمة تسد الرمق وتصل لنازحين من دون آخرين، في إشارة إلى فساد المسؤولين وافتقارهم إلى العدل في توزيع الحصص. وتكشف نيتها العمل في تنقيب النفايات إذا استمر حال الفقر وضيق الحال.
من جهته، يقول مدير مخيم الكرامة في أطمة لـ"العربي الجديد" إن "تخفيض المساعدات الإنسانية لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية للمنطقة، وسيدفع آلاف المدنيين إلى مستويات جديدة من الفقر، ما يتسبب في نتائج سلبية، ويساهم في تفاقم مآسي النازحين الذين يعتمدون في معيشتهم على سلال غذائية تقدمها في الأساس منظمات دولية شريكة لبرنامج الأغذية العالمي".
وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن عزمه تخفيض المساعدات في سورية بدءاً من يوليو/ تموز الجاري، بسبب نقص التمويل. وقال في بيان: "ترغمنا أزمة التمويل غير المسبوقة في سورية على تخفيض مساعداتنا لتشمل نحو 2.5 مليون شخص بدلاً من نحو 5.5 ملايين شخص يعتمدون عليها لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء".
وصرّح ممثل برنامج الأغذية العالمي في سورية، كين كروسلي بأنه "بدلاً من زيادة المساعدات أو حتى الإبقاء على الكمية نفسها كحد أدنى لمواكبة الاحتياجات، تنتزع من الناس في وقت هم في أشد الحاجة إليها".
ويحمّل فريق "منسقو استجابة سورية" الذي يعمل في مناطق سيطرة المعارضة قطاع الأمن الغذائي وسبل العيش مسؤولية التخفيض، إلى جانب برنامج الأغذية العالمي، الذي يقول إنه "لم يوازن بين الاحتياجات الفعلية وأسعار المواد والسلع الغذائية في السوق المحلية التي شهدت ارتفاعاً كبيراً منذ إبريل/ نيسان الماضي".
ويحذر من أن استمرار تخفيض المساعدات الإنسانية سيخلق منطقة مجاعة لا يمكن السيطرة عليها، ويطالب الجهات الدولية المعنية بالعمل لزيادة الدعم المقدم للمدنيين في المنطقة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وعدم قدرة آلاف المدنيين على تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.