استمع إلى الملخص
- **تحديات الإيواء والبحث عن مأوى:** يواصل النازحون البحث عن مأوى في مدارس الإيواء المكتظة. ربيع أبو دقة يبيت في العراء لليوم الخامس، وتلقى المدارس أوامر بإبقاء الناس داخل الفصول خوفاً من القصف.
- **نقص المساعدات الإنسانية وتفاقم الأزمات:** لم تتلق المنظمات الدولية خياماً منذ أشهر، وتقلصت المساعدات الغذائية والطبية، مما أدى إلى أزمات عميقة بين النازحين الذين ينامون على شاطئ البحر بدون خيام أو أغطية.
استقرت مئات العائلات بالقرب من مناطق الخيام أو على شاطئ البحر
يخشى أهالي غزة العودة لمناطقهم رغم انسحاب الاحتلال من بعض المناطق
خلف النقص الكبير في المساعدات أزمات عميقة بين عشرات النازحين
اضطرت الكثير من عائلات قطاع غزة خلال الأيام الأولى من النزوح القسري إلى المبيت في العراء، بعضهم لليلة واحدة، وآخرون لعدة ليال متصلة، كانوا يبحثون خلالها عن مكان للإقامة المؤقتة داخل ما يطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي "المنطقة الإنسانية"، والتي كانت مكتظة بالنازحين، لكن المساحات المتوفرة تقلصت مؤخراً مع اعتبار الاحتلال أجزاء منها "منطقة قتال"، وبات كثيرون مضطرين إلى المبيت في العراء لأيام عدة.
واستقرت مئات العائلات النازحة بالقرب من مناطق الخيام، أو على شاطئ البحر، أو بالقرب من المباني القليلة التي لم يدمرها القصف، أملاً في بعض الوقاية من حرارة الشمس الحارقة، بينما تستكمل جميعها البحث عن مكان يؤوي أفرادها، أو مكان يصلح لوضع خيمة، في حين يواصل بعضهم الضغط على القائمين على التنظيم داخل مدارس الإيواء للسماح لهم بالدخول، فجميع الأماكن مكتظة، ونحو مليوني فلسطيني نازحون بالفعل.
يواصل ربيع أبو دقة (56 سنة) المبيت في العراء لليوم الخامس على التوالي، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه فقد عدداً كبيراً من أفراد عائلته خلال الشهر الأخير في المنطقة الشرقية وفي وسط مدينة خانيونس، وبعضهم نجوا من مجازر إسرائيلية سابقة، ونزحوا عدة مرات، قبل أن يقرروا العودة إلى المنطقة حتى يفسحوا المجال للنازحين الجدد.
أهالي غزة يخشون العودة لمناطقهم رغم الانسحاب الاحتلال
نزح أبو دقة بعد تدمير الخيمة التي وضعها بالقرب من منزله في قصف أطراف بلدة بني سهيلا، وقبلها كان لديه أمل في عدم توسع العملية العسكرية، ما يتيح له البقاء في منزله المدمر جزئياً في منطقة غالبية منازلها مدمرة، مع آخرين غالبيتهم من المسنين، قرروا البقاء في خيام بسيطة بالبلدة، بينما كانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تحوم فوق رؤوسهم على مدار الساعة، وهي الطائرات نفسها التي قصفت المنطقة حتى تجبرهم على المغادرة.
توجه ربيع أولاً إلى مجمع ناصر الطبي مع العشرات من سكان المنطقة الشرقية، ثم توجه إلى إحدى مدارس وكالة "أونروا" في المنطقة الغربية من مخيم خانيونس، وهناك اتفقوا مع المسؤولين عن المدرسة أنه عندما يدخل النازحون للنوم في الفصول، سيقومون بافتراش ساحة المدرسة وممراتها للمبيت. لكن الأمر لم يستمر على هذا النحو، إذ تلقت المدارس أوامر من الوكالة بإبقاء الناس داخل الفصول خوفاً من تكرار قصف ساحات المدارس كما حدث خلال الأسابيع الأخيرة في مدارس بمخيم النصيرات ومدارس في المنطقة الغربية الشمالية من مدينة دير البلح.
يقول أبو دقة لـ"العربي الجديد": "استطعنا تفريق نساء العائلة وأطفالهم، وعددهم نحو 30 فرداً من شقيقاتي وأطفالهم، وزوجات أشقائي وأطفالهم، على خيام النازحين التي تضم أصدقاء وأقارب، وفي محال تجارية فارغة، ونساء أخريات يقبعن حالياً بالقرب من المستشفيات الميدانية التي أصبحت تخصص مكاناً لمبيت النساء والأطفال. أما الرجال فهم يبيتون في العراء، والكثير من الرجال الذين كان لديهم أماكن في الخيام يتنازلون عن أماكنهم لنساء وأطفال كانوا يبيتون في العراء، وهذا لا تقبله عاداتنا وتقاليدنا. بعد الانسحاب الإسرائيلي الجزئي من المنطقة الشرقية، عاد ابني إليها لتفقدها، فوجد منطقتنا كلها مدمرة، والركام والرماد في كل مكان، ولا يوجد مكان يصلح للمبيت، ولا حتى سقف واحد".
ورغم الانسحاب الإسرائيلي من بعض مناطق شرق مدينة خانيونس إلا أن الحذر يظل قائماً بين السكان، والذين قرر بعضهم العودة رغم الدمار الكبير، ونسف أحياء كاملة كان فيها عدد من المنازل المدمرة جزئياً، والتي أصبحت مدمرة بالكامل حتى لا تفكر عائلات المنطقة بالعودة، وهي التي عادت في مرات سابقة للإقامة في أحد الغرف التي لم تهدم، أو نصب خيام بالقرب من المنازل.
وتوجه عدد كبير من عائلات مخيم البريج والمنطقة الشرقية من مخيم النصيرات إلى المناطق الغربية، واضطر كثيرون منهم إلى المبيت على شاطئ البحر في العراء، وتقاسم بعضهم أماكن النوم المتاحة، بحيث يحمي فريق أغراض النائمين، ثم ينامون ويحمي الآخرون أغراضهم، وينام آخرون ملاصقين للخيام التي يؤدي تلاصقها إلى إيجاد ظلال تحميهم من أشعة الشمس في الصباح.
ويوجد عدد كبير من النازحين الجدد في أراضٍ زراعية غرب مخيم النصيرات، وقد نزحوا مع خيامهم المهترئة، وأنشأ عدد منهم "مظلات" كي تحمي الرجال الذين يبيتون في العراء من أشعة الشمس الحارقة، لكن البعوض والذباب والقوارض لا ترحمهم، لكن ليس لديهم خيار آخر، وهم يبحثون يومياً عن الأخشاب والأكياس من أجل تدعيم الخيام.
يقول كريم شاهين (25 سنة) لـ"العربي الجديد": "ليست هذه المرة الأولى التي أضطر فيها إلى المبيت في العراء، فأثناء النزوح الأول في فبراير/شباط الماضي، قضيت عدة ليال في العراء، وأثناء مغادرة المخيم بعد رمي الاحتلال مناشير الإخلاء، اضطررت إلى المبيت مع عدد من أبناء عمي في ساحة مدرسة، وحينها كان الطقس بارداً، وكانت السترة التي أرتديها غير كافية لتدفئتي، وحصلنا على بعض الأغطية التي وفرت لنا قدراً من الدفء. حالياً لا أملك شيئاً يحميني من الشمس أو يقيني من البرد بسبب النزوح المتكرر، وقد نمت قرابة أسبوع بين الخيام للاحتماء من الشمس، ومثلي عدد كبير من شبان المنطقة".
يضيف شاهين: "أمي باتت معي ثلاث ليال في العراء، ما جعلني أبكي لأن الحال وصل بنا إلى ذلك، وفي الفترة الأخيرة أعجز عن تأمين الطعام والمياه، حتى المالحة منها، ورغم كل تلك المعاناة، لا يمكن أن أصف قدر فرحتي حين وجدت مكاناً لتبيت فيه والدتي، والتي وافقت سيدة على استضافتها في خيمتها خلال فترة الليل، فحينها فقط استطاعت النوم. أصبحنا في مرحلة تتجاوز الصدمات النفسية، ونعيش إحباطاً وحالة من اللامبالاة بكل شيء من حولنا، فبعد أن كانت لدي غرفة مستقلة في المنزل، ولدي جهاز لابتوب خاص، وأمتلك عملاً مستقلاً بصفتي مصمم غرافيك يتيح لي دخلاً جيداً، أصبحت فقيراً معدماً، ولا يتوفر لدي أي شيء. أبي شهيد منذ عشر سنوات، ولا تصلنا أموال كفالة الأيتام اللازمة لرعاية أمي ولإخوتي الصغار الثلاثة، وقد أصبحنا نحلم بالطعام، والحصول على أرغفة قليلة من الخبز الطازج".
ولم تتلق المنظمات الدولية القائمة على توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة أية خيام طوال الأشهر الأخيرة، والمساعدات المحدودة التي توفرها تضم بعض الأفرشة والأغطية والملابس، كما تقلصت المساعدات الغذائية والطبية، وباتت تأتي عبر معبر كرم أبو سالم وحده، بعد إنهاء عمل الرصيف البحري الأميركي، وسيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح البري للشهر الثالث على التوالي.
وخلف النقص الكبير في المساعدات الإنسانية أزمات عميقة بين عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة النازحين، إذ تشهد الفترة الأخيرة اهتراء كثير من الخيام، والتي لا يمكن تعويضها بسبب عدم إدخال خيام جديدة منذ أكثر من شهرين، ونتيجة عدم وجود الأكياس أو الأقمشة أو الأخشاب التي يمكن استخدامها في ترميم الخيام القديمة، ما دفع العديد من النازحين الجدد إلى البحث عن أي شيء يمكن أن يستخدموه بين ركام البيوت المدمرة في مخيم النصيرات وفي المنطقة الشرقية التي أصبح دخولها غاية في الخطورة، وقد تراجع عدد منهم بعدما أطلقت طائرات "كاود كابتر" النار باتجاههم، وعادوا للبقاء على شاطئ البحر، أو نزحوا وصولاً إلى مناطق غرب مدينة دير البلح.
يقول فادي عيسى لـ"العربي الجديد": "لا يوجد لدى النازحين حالياً آمال بالحصول على خيام أو أفرشة، والكثير منهم أخلى منزله سريعاً لوجود عدد كبير من المسنين والأطفال، فالاحتلال في الفترة الأخيرة يقوم بإشعار المناطق بالإخلاء، وبعد دقائق يقصفها، وحاول البعض العودة لإحضار بعض الأغراض، أو البحث عن أي شيء سليم بين أنقاض المنازل المهدمة، لكنهم عادوا سريعاً بعد ملاحظة الاحتلال لهم، وتهديدهم بالقتل حال اقترابهم. حالياً أنام مع مجموعة كبيرة من النازحين على شاطئ البحر بدون أي شيء، فلا خيام ولا أغطية، ومعنا عدد من النساء والأطفال".