ترى وزيرة التربية والتعليم السابقة في الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، هدى العبسي، التي استقالت من منصبها في إبريل/ نيسان الماضي، أن تفوّق الطلاب والمهنيين السوريين في معظم بلدان لجوئهم سمة غالبة منذ سنوات، في حين يحتم وجود 3.6 ملايين سوري في تركيا تزايد عدد المتفوقين في مدارس وجامعات هذا البلد عاماً بعد آخر.
تعتبر في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ "التفوق يشير إلى وعي الطلاب السوريين بأهمية العلم ورغبتهم في التميّز، وعدم الرضا بالدونية. وهم يملكون بالتأكيد إرادة التحدي والصبر والمثابرة لتحقيق التفوق العلمي رغم الظروف الصعبة والهجرة ومغادرة الوطن". وتؤكد أنّ "الطلاب السوريين، خصوصاً من هم في تركيا، يتطلعون إلى إثبات قدراتهم أمام العالم كله. وهم يستحقون الرعاية والاهتمام والحياة الأفضل، بعدما ظهرت حالات نبوغهم إثر الخروج من استبداد الحكم الشمولي الذي يصادر الحريات ويقمع المواهب. والدول التي مدّت يد العون لاستقبال السوريين ستفتخر لاحقاً بهذه المواهب والقدرات المهنية".
أقوى من الظروف
يؤيد أستاذ مادة التاريخ السياسي في جامعة "ابن خلدون" بإسطنبول، وهبي بايصان، في حديثه لـ "العربي الجديد"، ربط أسباب تفوق الطلاب السوريين في جامعات تركيا بـ"إمكاناتهم الذاتية التي تعززت بشعور التحدي ومحاولاتهم إثبات وجودهم في مكان جديد"، ملاحظاً أنّ "فرص تفوّقهم في الجامعات التركية تتجاوز تلك لباقي الطلاب الأجانب الذين تحتضنهم. ونحن كجهاز تعليمي نفخر بتفوّق السوريين رغم ظروفهم الصعبة". ويصف بايصان المتفوقين السوريين بأنّهم "أبناء تركيا التي وجدوا فرصهم فيها، والتي توازي تلك لمواطنين" في حين ينفي "تنمّر طلاب أتراك من المتفوقين السوريين، فالمنافسة العالية الطبيعية قد تخلق أحياناً جواً محرّضاً لدى بعض الأتراك".
ثلاث متفوقات من عائلة واحدة
وتشير أرقام إلى أنّ الطلّاب السوريين في تركيا يواصلون تفوقهم للعام الخامس على التوالي، عبر حصد المراكز الأولى في جامعات خاصة وحكومية عدة. في جامعة "سيرت" احتل عبد الرحمن الصفر المرتبة الأولى في كلية هندسة الحاسوب، وصفا حسين المرتبة الأولى في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، ويحيى الرحيّم المرتبة الثانية في هندسة المعلوماتية.
وغطت وسائل إعلام تركية باهتمام كبير خبر تحقيق الطالب السوري دليار صافو المركز الأول في امتحان الثانوية المعروف باسم "لي غي سي" على مستوى تركيا، مسجلاً علامة التميز الكاملة 100/100، رغم ظروف الهجرة القاسية التي عرفها، ولجوئه منذ خمس سنوات إلى منطقة كورت ألان بولاية سيرت.
وتشكل ما حققته عائلة أبو صالح المتحدرة من حلب في جامعة "غازي عنتاب" النقطة المضيئة الأبرز في سجل الطلاب السوريين في تركيا ومحط اهتمام إعلامي، تعدى البلاد نفسها، إذ حصلت ثلاث طالبات من العائلة على الدرجات الأولى في كلية الهندسة المعمارية بالجامعة.
وتقول صاحبة المرتبة الأولى بيان أبو صالح لـ "العربي الجديد": "بعدما تنقلت بين جامعات عدة وسط ظروف صعبة، دخلت كلية اختصاص الهندسة المعمارية الذي أحبه، واستطعت الحصول على المرتبة الأولى بعدما نظمت وقتي، ولقيت مساندة من أهلي وزوجي كي أدرس نحو 15 ساعة يومياً أو أكثر حتى بحسب متطلبات مواعيد تسليم المشاريع".
وحول نظرة الأتراك لها تعلّق أبو صالح: "رأيت صراحة نظرات إعجاب ومباركات من زملاء أتراك، كما وجدت في المقابل حسداً لدى كُثر يؤيدون فكرة أنّ السوريين يأخذون أماكنهم وحصصهم ويسببون لهم مشكلات، ويزيدون البطالة. وإنّني مقتنعة بأنّ تفوقنا يغيّر هذه النظرة، وواقع أنّنا فاعلون ولسنا عالة على المجتمع". تضيف أبو صالح التي وصلت إلى تركيا عام 2012: "درست الثانوية العامة في تركيا، إذ يتعاطف معي كُثر. لكن هناك ثمناً للتفوق الذي يضع أصحابه أمام مسؤولية كبيرة، في وقت تظل الغربة وضبابية المستقبل وما آلت إليه ظروف سورية العوامل الأهم في رغبتنا بالتفوق وإثبات الذات والوجود".
ويناهز عدد الطلاب السوريين في جامعات تركيا، بحسب أرقام كشفها مجلس التعليم العالي التركي ورئيس تجمع الطلاب الأجانب في البلاد عبد الله إرين، 37.326، استفاد 1611 منهم فقط من منح دراسية تقدمها الحكومة.
من المخيّم إلى التفوق
يقول مدرس القانون الدولي في جامعة "ماردين" وسام الدين العكلة لـ "العربي الجديد" إن "الحرب والتشرد والتجارب القاسية تنعكس إيجاباً غالباً على تطوير المهارات والجدّية في محاولة إثبات الوجود. وهذا على الأرجح أهم أسباب تفوّق الطلاب السوريين في جامعات تركيا. ولا شك في أنّ التهافت الكبير لنيل شهادات وتعلم اللغة التركية، حتى لدى أشخاص انقطعوا فترات عن التحصيل العلمي أو كبار السن، هو سلاح المهاجرين السوريين". ويلفت إلى أنّ "معظم الخريجين السوريين في تركيا يتابعون دراستهم الجامعية للحصول على شهادات عليا من أجل إثبات تميّزهم، وأنهم ليسوا عالة على المجتمع المضيف". ويسرد قصة الطالبة، روان طحلو، التي تلقت تعليمها الثانوي في مخيّم، ثم التحقت بقسم العلوم السياسية بجامعة "ماردين" قبل أن تتخرج هذا العام بعدما احتلت المرتبة الأولى في امتحانات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
وحول كيفية نظر الأتراك لنجاحات السوريين، يجزم العكلة بأنّه "لا يمكن تعميم حالة أو نظرة، فالمجتمع التركي واسع ومتنوع، فنحن نرى احتراماً من بعض الأتراك يبلغ درجة التبجيل بالمتفوقين السوريين، كما نلمح حساسية أو حتى كراهية لدى آخرين. لكنّ المجتمع التركي يتقبل السوريين عموماً، في حين يشكل التفوق جوازاً إضافياً للاندماج والاستقطاب".