تدفع مناطق الجنوب الليبي فاتورة الانفلات الأمني وغياب مؤسسات الدولة بسبب الصراعات السياسية، وتشمل معاناة المواطنين تفشي الأدوية المغشوشة، ودق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في الشرق الأوسط وأفريقيا، في مطلع فبراير/ شباط الماضي، ناقوس الخطر بشأن تسرّب كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة إلى بلدان أفريقية عدة، من بينها ليبيا.
وأوضح المكتب الأممي أن الأدوية المغشوشة في الأسواق الأفريقية تشكل ما بين 19 إلى 50 في المائة من إجمالي الأدوية المتداولة، وأنها تتسرب إلى جنوب ليبيا عبر الحدود مع تشاد والنيجر، وصولاً إلى سبها، وهي أكبر مدن الجنوب، مشيراً إلى أن إثبات تسرّب الأدوية المغشوشة إلى جنوب ليبيا حصل بعد اعتقال أفراد من شبكة مهربين قرب نيامي عاصمة النيجر، في يوليو/ تموز 2022، والذين ضبط معهم أكثر من 229 ألف علبة "ترامادول" و8 آلاف قرص "أكيسول".
لم يأتِ التقرير الأممي بخبر جديد، إذ سبق أن حذرت وزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني في إبريل/ نيسان 2020، من انتشار الأدوية المغشوشة، وطالبت أهالي الجنوب الليبي بالتنبه من استخدام أدوية قادمة من السوق الأفريقية.
يقول أستاذ الصيدلة الليبي، عادل خلف الله، لـ"العربي الجديد"، إن تقرير الأمم المتحدة لم يكشف جديداً لأن السوق الليبية عموماً، وليس الجنوب فقط، تعّج بأدوية منتهية صلاحية، لكن الأمر أكثر خطورة في الجنوب، حيث وصل ضعف بنية المنظومة الصحية إلى حدّ الانهيار، ما يجعل معدلات مخاطر استعمال تلك الأدوية أعلى بالتزامن مع فقدان القدرة على إسعاف أي شخص يتعرض لأضرار بسببها.
يقول ضو القذافي، الذي يسكن في مدينة سبها، لـ"العربي الجديد"، إن "انتشار الأدوية المغشوشة ليس سراً، فأي شخص يتنقل بين الصيدليات لطلب نوع معيّن من الأدوية، يكتشف وجود عدد كبير من الأصناف المعروضة. إذا كانت كل هذه الأصناف تعود إلى شركات معروفة لماذا تظل أسعارها مرتفعة؟ كثرة أنواع الدواء الواحد يجب أن تعني وجود تنافس يؤدي إلى خفض الأسعار". ويعتبر القذافي أن "هذا الأمر يدل على أن غالبية الأصناف مقلدة، ولا تعود إلى شركات يمكن الوثوق بها، وتدخل البلاد عن طريق التهريب. كثرة أصناف الدواء نجدها عادة في أنواع يكثر طلبها مثل المسكنات، أما الأدوية المرتبطة بأمراض خطيرة فنادرة، علماً أنه من الطبيعي أن توفر الشركات كل أنواع الأدوية، وواضح أن المهربين يشترون أدوية مغشوشة خاصة بالأمراض والأوجاع الأكثر انتشاراً، لأن شراءها كثيف وأرباحها أكبر".
ويعتبر القذافي أن "الليبيين يملكون ثقافة تكفيهم لمعرفة أن أي دواء لا بدّ أن يكون مرفقاً ببيانات الشركة الموردة، لكن المهربين تجاوزوا ذلك بتقليد شعارات وأسماء وبيانات الشركات المعروفة التي باتت تلصق بعلب الأدوية، ما يمنع تفريق الناس بين الأدوية الأصلية والمقلدة".
ولا تبدو الحدود الليبية الجنوبية المصدر الوحيد للأدوية المغشوشة، فالأسواق الموجودة في مدن الشمال تشكل مصدراً لها أيضاً. ويرى أستاذ الصيدلة عادل خلف الله أن "الدولة ساهمت في هذه الظاهرة عبر فتحها الباب أمام الشركات الخاصة لاستيراد الأدوية من الخارج من دون أن تعمل على تعزيز آليات الضبط والمراقبة، ما أدخل تجار الأدوية المغشوشة على الخط، وحوّل الأسواق الكبيرة في طرابلس وبنغازي إلى مراكز لتوزيع الدواء المقلد في كل مناطق ليبيا".
وبحسب تصريحات أدلى بها رئيس هيئة مكافحة الفساد السابق، نعمان الشيخ، تعمل في ليبيا 1250 شركة خاصة لاستيراد الأدوية التي تحصل بعض صفقاتها بمخالفات قانونية. وأعلن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية الحكومي، مرات عدة، ضبط كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية.
وينبّه خلف الله إلى أهمية الوعي بخطورة الأدوية المغشوشة، قائلاً: "الدواء المغشوش أكثر خطراً من منتهي الصلاحية والذي تعمل شركات لضمان إبطال مفعوله، وعدم تسببه في مضاعفات، أما المغشوش والمقلد فيتضمن عادة نواقص في التركيبات، أو إضافات لعناصر ضارّة تتسبب في مضاعفات خطيرة مع مرور الوقت، أو مع استمرار استخدامه".