يبحث الطالب الجامعي محمد النحال إمكانية الاندماج في جامعات تونسية تعتمد اللغة الإنكليزية في التدريس، حيث إن تكوينه الذي تلقاه في قطاع غزة لا يسمح له بمواصلة التعليم في كليات تدرّس باللغة الفرنسية.
قبل الحرب على غزّة، كان النحال يدرس إدارة الأعمال في كلية القدس المفتوحة، لكن الاحتلال دمر فرعين للجامعة، لتتوقف الدروس كلياً، كذلك لا يمكن مواصلة التعليم عن بعد. يقول لـ"العربي الجديد": "درست لمدة عامين في كلية القدس المفتوحة، وكنا نحصل على جميع الدروس حضورياً، لكن العدوان قلب حياتنا رأساً على عقب، فقررنا مغادرة القطاع برفقة والدتي التونسية" .
في ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، وصلت أسرة محمد المكونة من 7 أفراد إلى تونس، في رحلة إجلاء تحت رعاية الهلال الأحمر التونسي، وأُسكِنَت الأسرة مؤقتاً في مركز للإيواء بمحافظة نابل (شمال شرق). ولا يخفي الطالب الجامعي انشغاله الشديد بمستقبله الدراسي، مؤكداً أنه يزور يومياً مواقع الكليات التونسية التي تدرّس باللغة الإنكليزية حتى لا تكون اللغة حاجزاً أمام تسجيله خلال العام الجامعي القادم.
ويضيف: "أتمنى ألّا أخسر العامين اللذين درستهما في غزة، وأن أخضع لتقييم يمكّنني من الالتحاق بالجامعة في اختصاصي، لكنني لن أمانع بدء المشوار من أوله إذا لزم الأمر. إذا اضطررت، سأبدأ من جديد، وقد أدرس اختصاصاً آخر، المهم أن أتمكن من التسجيل في كلية تونسية، أو أحد فروع جامعة القدس المفتوحة في تركيا أو السعودية. اختلاف المناهج التعليمية، وعدم إتقان اللغة الفرنسية التي تُعَدّ اللغة الثانية في مناهج التدريس التونسية، قد يشكلان عائقاً أمام التحاقي بالجامعة. لكني أحاول استغلال هذه الفترة في تعلّم الفرنسية عبر الدروس المتاحة على الإنترنت، لكن الأمر ليس سهلاً".
ويُعَدّ الالتحاق بالمؤسسات التعليمية مطلباً أساسياً لتلك الأسر التي أُجلِيَت من غزة بعد أن خسر أبناؤها عامهم الدراسي، وسط مخاوف من تعثر مسارهم الدراسي نتيجة اختلاف المناهج بين البلدين.
تقول ريم سلامة، وهي أم لستة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة: "مستقبل أبنائي الدراسي يشغلني كثيراً، والأطفال في المرحلة الابتدائية قد يكونون أكثر حظاً في الالتحاق بالمدارس خلال السنة الدراسية القادمة". وتعتبر أن "العائلات التونسية العائدة من غزة تتشارك القلق نفسه من صعوبة اندماج أبنائها في التعليم التونسي، ويخشون أن تسبب الحرب التي دمرت بيوتهم ونفسياتهم تدمير مكتسباتهم العلمية" .
وتصر ريم حامد على أن يحصل أبناؤها على دروس خصوصية في اللغة الفرنسية قبل بدء العام الدراسي الجديد، والمقرر في سبتمبر/ أيلول القادم، حتى يكونوا أكثر جاهزية، ويتمكنوا من التأقلم مع المناهج. وتفيد بأن "مناهج التعليم في غزة تختلف كثيراً عن المناهج التونسية، إذ إنّ الإنكليزية هي اللغة الأساسية الثانية بعد العربية، على عكس تونس التي تعتمد اللغة الفرنسية في موادّ عديدة. أخشى من ارتباك الأبناء تعليمياً بعد انتقالنا للعيش في تونس، وأعتقد أن إمكانية العودة إلى غزة قد لا تتحقق بسبب استمرار الحرب، والأوضاع الصعبة هناك".
وتؤكد حامد لـ"العربي الجديد" أن "كثيراً من الأُسَر تقدمت بطلب رسمي إلى الهلال الأحمر التونسي لإيجاد حلول لأبنائها من الطلاب، كذلك طالبت بتذليل الصعوبات الناجمة عن اختلاف المناهج ولغة التدريس، وقد حصلت على وعود بإيلاء الملف العناية اللازمة".
وفي ديسمبر الماضي، وصل إلى مطار تونس قرطاج الدولي 57 فرداً من العائلات التونسية المقيمة بقطاع غزة، بعضهم برفقة أزواجهم الفلسطينيين الذين أبدوا رغبتهم في المغادرة المؤقتة إلى حين انتهاء العدوان الإسرائيلي.
ويعتقد حامد علي، وهو أب لثلاثة أطفال في مراحل الابتدائي والإعدادي، أن الاندماج الدراسي لأبنائه الثلاثة سيكون خطوة مهمة في حياته الجديدة. ويقول لـ"العربي الجديد": "أطفالي لم ينسوا بعد رحلة الهرب من جحيم الحرب، وقد حرصوا على أن يأخذوا معهم الشهادات التي كانوا يحصلون عليها بمدارسهم في غزّة، ما يبرهن تشبثهم بالعلم. خسرنا الكثير بسبب الحرب، تعرضنا لإصابات، وضاعت أرزاقنا، وفقدنا بعض أهلنا وأحبابنا، ولا نريد أن يخسر أبناؤنا مستقبلهم التعليمي، فهو سلاحهم الوحيد للمستقبل".
ويعمل الهلال الأحمر التونسي على مسألة الإدماج التعليمي للأسر العائدة من غزة في إطار خطة متكاملة ينفذها على مراحل، وتشمل السكن والتعليم والتشغيل، وفق المتحدثة باسم المنظمة، بثينة قراقبة، التي أكدت في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "إجلاء التونسيين من غزة تزامن مع منتصف العام الدراسي في تونس، ما جعل إلحاقهم بالمدارس والجامعات صعباً".