يبدأ العام الدراسي الجديد رسمياً بمناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، اليوم الأحد، بينما يبدأ دوام الطلاب بعد أسبوع، في العاشر من الجاري، ومع فتح المدارس أبوابها أمام تلاميذ كافة المراحل الدراسية، يواجه أولياء أمورهم صعوبات وتحديات معيشية وأمنية تشكل عوائق أمام حسن سير العملية التربوية.
ويعد تأمين المستلزمات المدرسية أحد أبرز المعوقات التي تواجهها العائلات في الوقت الحالي، تقول نورا موسى (41 سنة) وهي أم لابنتين وولد، بنت في الصف الرابع والثانية في الصف السادس، والولد في الصف الثامن إنه "في بداية كل عام دراسي جديد، نواجه نفس مشكلات السنوات السابقة، وعلى رأسها تأمين مستلزمات واحتياجات المدارس، من الزي المدرسي، والدفاتر والكتب والأقلام، والألوان والأدوات الهندسية، بالإضافة إلى تأمين كلفة المواصلات. أنا ربة منزل لا أعمل، وزوجي يعمل في محطة وقود، وبعد دوامه يعمل كسائق لسيارة أجرة، ورغم ذلك نعجز عن تلبية متطلبات أطفالنا، ومصاريف بداية العام الدراسي تشكل لنا كابوساً حقيقياً سنوياً".
يعمل ماجد حبو (52 سنة) من مدينة الحسكة موظفا في مؤسسة المياه التابعة للإدارة الذاتية، وهو مهموم بتقدير وتوفير المبلغ الذي يحتاجه لإرسال أطفاله الأربعة إلى مدارسهم، ويقول لـ"العربي الجديد": "رغم أن رواتب الإدارة الذاتية أعلى من الرواتب في مؤسسات النظام السوري، إلا أنها أيضاً قليلة مقارنة مع الغلاء الفاحش، وارتفاع الأسعار المتواصل. تتراوح أسعار الحقائب المدرسية بين 80 ألف ليرة (5.8 دولارات) و250 ألف ليرة (18 دولارا)، وأسعار الدفاتر تتراوح بين 15 إلى 25 ألف ليرة (1- 1.8 دولار)، وتتباين الأسعار من مكان إلى آخر بشكل كبير". يكمل ماجد أن "تكلفة المواصلات إلى المدرسة عبر سيارة خاصة صغيرة تقل 4 أو 5 طلاب تصل إلى 125 ألف ليرة (9 دولارات) شهرياً، وأجرة الحافلة التي تقل أعداداً أكبر من الطلاب، قد تصل إلى 30 طالباً، قرابة 75 ألف ليرة ( 5.4 دولارات) شهرياً، وهذه أرقام لا يمكن لموظف تأمينها".
تأمين المستلزمات المدرسية أحد أبرز المعوقات التي تواجه العائلات السورية
يعيش محمد شيخو (32 سنة)، في مدينة القحطانية، وهو معلم، ويقول لـ"العربي الجديد": "المستلزمات الدراسية لتلميذ في الصف الأول الأساسي تشمل في حدها الأدنى دفترين ومقلمة وقلم رصاص وممحاة وعلبة ألوان ودفتر رسم، وتلك الأشياء البسيطة كلفتها الإجمالية في المتوسط تزيد عن 50 ألف ليرة (3.6 دولارات)، ومريول المدرسة يقدر سعره بنحو 50 ألفاً أخرى، إضافة إلى كلفة الحقيبة المدرسية، ثم يأتي دور كلفة المواصلات".
ويوضح الناشط جان علي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأهالي في مناطق شمالي شرقي سورية لا يرغبون في إلحاق أبنائهم بمدارس الإدارة الذاتية، وهذا منطقي، فالناس يفكرون في ما بعد حصول أولادهم على شهادة من مدارس الإدارة الذاتية، إذ لا يوجد اعتراف بتلك الشهادات، وهناك تخوف على مستقبل هؤلاء التلاميذ، فإذا تحرك الطالب من محافظة الحسكة، فلن تكون لشهادته أية قيمة، وعلى ذلك، تنخفض رغبة المواطنين في تدريس أولادهم بتلك المدارس، وهذا ينعكس على أعداد الطلاب، فعدد الطلاب الذين تقدموا لامتحانات الإدارة الذاتية محدود جداً مقارنة بأعداد الطلاب الذين تقدموا لامتحانات مدارس حكومة النظام السوري".
صفوف المدارس السورية مكتظة ويضم الصف الواحد نحو 80 طالباً
ويقول عميد كلية الآداب في جامعة الفرات سابقاً، فريد سعدون، لـ"العربي الجديد": "بالنسبة للمدارس التابعة لمديرية التربية التابعة للنظام، يمكننا القول إن هناك انهيارا كاملا في المنظومة التعليمية والتربوية، فعلى المستوى الرسمي، لم يعد هناك شيء اسمه منظومة تربوية متكاملة في المنطقة، بل هناك بعض المدارس المتناثرة التي ما زالت تحتفظ بشيء من مهنيتها. بشكل عام لم تعد هناك مدارس مناسبة لتقديم الخدمات التعليمية والتربوية، سواء على مستوى الكادر، أو على مستوى الإدارة، أو على المستوى التنظيمي، ولا يمكننا أن نحدد كل الأمور التي تأثرت بالكامل، فعلى مستوى الكادر، كون الرواتب متدنية جعل المعلمين يتركون المدارس الحكومية ويتجهون إلى مدارس الإدارة الذاتية، أو إلى أعمال أخرى لتوفير المال اللازم لمستلزمات معيشة عائلاتهم، ما جعل الكادر المتوفر لا يملك القدرة العلمية أو المهنية، وليس هناك أي شكل من أشكال التدريب للحفاظ على سوية محددة من العلمية والتربوية، ومحافظة الحسكة التي كان يوجد فيها نحو 3 آلاف مدرسة، باتت معظم هذه المدارس حالياً خارج الخدمة، وخاصة في الأرياف، حيث تحولت بعض المدارس إلى مراكز عسكرية أو أمنية، وهناك مدارس تحولت إلى ملاجئ للنازحين".
يتابع سعدون: "على المستوى التعليمي، نستطيع القول إن المدارس الموجودة تضم مجموعات من الصفوف المكتظة، ويوجد في الصف الواحد 80 طالباً، وأحياناً 100 طالب، وهذا الصف الهدف منه تقديم المعلومات للطلبة، فكيف يمكن أن يستفيد نحو مائة طالب في صف لا يستوعب أكثر من عشرين أو خمسة وعشرين طالباً، أو كيف يتمكن المدرس من التحكم في الصف، أو السيطرة على الطلاب حتى يكون هناك استجابة منهم للتعلم، لذا فعلى المستوى العلمي هناك انهيار كامل للمنظومة أيضاً، وعلى المستوى التربوي لا يمكن ضبط الصف في ظل هذا الزحام، وبالتالي فإن العملية التربوية برمتها تنهار، وليست هناك إمكانية تدريب للطالب على تلقي الأخلاق والقيم والمبادئ، فهذا الزحام يخلق مناخاً مناسباً للمشاغبات".
ويضيف الأكاديمي السوري أنه "بالنسبة للإدارات، هناك انتشار واضح للرشوة، والامتحانات لم تعد موضوعية، بل هي امتحانات تخضع للظرف الراهن، وبالتالي لحق الفساد عملية الامتحانات، ولم تعد هناك امتحانات حقيقة، ويمكن أن يحصل الطالب على الدرجة التامة من دراسة أو معرفة شيء، والملاحظ أن مئات الطلاب يحصلون على علامات تامة، سواء في الصف التاسع أو البكالوريا، وهذا الأمر خارج إطار المنطق، ويدل على فساد العملية الامتحانية. كل هذا دفع بعض الأشخاص المهتمين بمصلحة أولادهم، والذين يريدون لهم أن يتعلموا جيداً ليحصلوا على درجات عالية، إلى البحث عن بديل، وهذا البديل يكون من خلال المعاهد الخاصة، وهي معاهد على ولي الأمر أن يدفع مبالغ طائلة ليتعلم أبناؤه فيها".
ويقول سعدون: "نحن أمام انقسام مجتمعي فظيع، وعدنا إلى مرحلة أربعينات وخمسينات القرن الماضي، حين كان أولاد الأغنياء فقط هم من يتعلمون. التعليم الخاص يحتاج إلى نفقات كبيرة، والفقير غير قادر على توفير هذه الأموال، وبالتالي يكون هناك طبقة واحدة يمكن أن يحصل أولادها على الدرجات العلمية، وهم الأثرياء، ويتم هذا من خلال دفع المال، وأيضاً هناك فساد كبير في المعاهد، بينما القيمة العلمية تكون منخفضة، والمهم أن يجمع الطالب العلامات، لا أن يتعلم أو يتربى، وليس هدف المعهد الأساسي هو تقديم العلم، وإنما هو مؤسسة تجارية الهدف منها هو جمع المال".
يواصل: "في المقابل، لدينا مدارس الإدارة الذاتية، وهناك عدم ارتياح من قبل المواطنين تجاه هذه المدارس، إذ إن لديهم منظومة إدارية تختلف عن منظومة الدولة، ولا علاقة لهم بمسارات التربية، وليس لديهم كوادر تحمل مؤهلات علمية عالية، مثل الماجستير أو الدكتوراه، ولا يهتمون بإتقان اللغات أو المهارات التربوية، وبالتالي ليس لديهم إمكانية تنظيم العملية التربوية على مستوى الإدارة. أما على مستوى المناهج، فهؤلاء الذين يكتبون المناهج التابعة للنظام كيفية عملهم معروفة، وتراتبية كتابة المناهج تبدأ ببنك المعلومات، ثم تمثيل المحافظات، وهم يأخذون بعين الاعتبار كل شيء، حتى البيئة التي يعيش فيها الطالب، وبالتالي كيفية تقديم المعلومة، وصولاً إلى المراجعات الدقيقة من قبل أساتذة جامعات، أما في مناطق الإدارة الذاتية، فوضع المناهج لا يخضع لأي من هذه الشروط، وبالتالي لا تكون المناهج متكاملة، أو مناهج ذات قيمة علمية عالية".