اعتادت فاطمة أن تغسل ملابس أفراد عائلتها بيديها، كون الغسّالة التي تمتلكها العائلة منذ سنوات لم يعد لها فائدة في ظل انقطاع الكهرباء في أنحاء ريف محافظة حمص الشمالي بوسط سورية، حيث زادت ساعات التقنين، وانخفضت ساعات وصول الكهرباء اليومية.
في منطقة الحولة، حيث تقيم فاطمة مع عائلتها، يتواصل انقطاع الكهرباء لنحو ثماني ساعات في كثير من الأوقات، قبل أن يتوفر التيار لنحو نصف ساعة، ثم ينقطع مجدداً، وتعتمد فاطمة على ما يتوفر من حطب، وغيره من المواد القابلة للاشتعال، لتسخين المياه المستخدمة في غسل الملابس.
تقول السيدة السورية لـ"العربي الجديد": "اعتدنا على الأمر، وقبل التهجير كان الوضع أفضل، إذ كنت أستخدم غسالتي، وأطهو الطعام باستخدام الكهرباء. حالياً نفتقد كل هذه الأمور، ونحن مجبرون على التأقلم مع هذا الواقع الصعب".
وتظهر تصريحات مدير عام مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء، فواز الظاهر، التي أدلى بها لإذاعة "شام إف إم" الموالية للنظام، عجز الحكومة عن توفير الكهرباء للمواطنين، في حين لم تعد محاولات التطمين مجدية، ولا التهديد بالعقوبات، وقال الظاهر إن "قسوة التقنين الكهربائي خلال فصل الشتاء ستخف، لكنه لن يتم إلغاؤه بشكل كامل، فالوزارة في الوقت الحالي غير قادرة على تطبيق برنامج تقنين ثابت بسبب التغيرات اللحظية التي تطرأ على الشبكة الكهربائية، ومنها خروج بعض المحطات عن الخدمة، وعدم توفر ما يكفي من الغاز اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، والوزارة تعمل على إعادة تأهيل بعض مجموعات التوليد بمحطات الزارة، وحلب، ومحطة الرستين في اللاذقية".
وينعكس هذا الواقع المتردي على معيشة المواطنين الذين يلقون باللوم على حكومة النظام، وبعضهم بات لا يخشى أن يكرر أن مهمة وزارة الكهرباء هي تأمين الكهرباء لكافة المواطنين، وليس الاكتفاء بتقنينها، ولا رفع أسعارها كما حدث مؤخراً، في حين يتداول البعض بطرق غيير مباشرة، وفي التجمعات الموثوقة، أن طريقة عمل وزارات الحكومة لا تختلف كثيراً عن أسلوب التجار المحتكرين، وأحياناً قطاع الطرق، فهدفها الوحيد تحصيل الأموال من الناس.
ليس الواقع المعيشي أفضل في مدينة جبلة بريف محافظة اللاذقية غربي سورية، مما هو عليه في ريف حمص الشمالي، ويبين خالد جبلاوي، من مدينة جبلة، لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال الأسبوعين الماضيين، ارتفعت أوقات التقنين إلى خمس ساعات قطع متواصلة، مقابل ساعة وصل واحدة يتخللها كثير من الانقطاعات"، لافتاً إلى أن "التقنين كان 3 ساعات قطع مقابل 3 ساعات وصل للكهرباء، لكن في الوقت الحالي، ومع قرب حلول فصل الشتاء، أصبح الوضع أسوأ بكثير".
وحول ما تردده الجهات المسؤولة عن الكهرباء عن الضغط على الشبكة مع بدء الشتاء، يقول جبلاوي: "لم يعد بإمكاننا التأقلم مع التقنين في الوقت الحالي، وكمواطن لا يملك القدرة المادية على تركيب ألواح طاقة شمسية، فإنني أترقب الكهرباء لشحن البطاريات التي تستخدم في الإضاءة، وشحن الهاتف، لكن خلال الفترة الأخيرة لم يعد شحن البطاريات ممكناً، وعلي أن أتوجه إلى شخص لديه مولد لشحنها، وإلا فلن يمكنني استخدامها في الإنارة، وسنبقى في الظلام ليلاً".
ومع زيادة ساعات التقنين بات الحصول على ألواح الطاقة الشمسية، أو البطاريات، أكثر صعوبة، إذ ارتفعت أسعارها بشكل حاد في السوق. يقول نضال سكر، المقيم في مدينة طرطوس، إن "هناك طلاب مدارس يحرمهم انقطاع الكهرباء من التعلم، وقطع الكهرباء الجائر غير مقبول لأنها باتت من أبسط حقوق الإنسان، ولا قدرة لدى غالبية المواطنين على شراء ألواح الطاقة الشمسية أو البطاريات في الوقت الحالي".
بدوره، يقول يونس صعب، المقيم في منطقة جرمانا، لـ"العربي الجديد"، إن "راتب أي موظف يكفي بالكاد لشراء الطعام، والغاز المنزلي غير متوفر، والحكومة لا تبالي بالمواطن إن حصل على الكهرباء أم لا. يبدو أننا نتجه لجعل الكهرباء حكراً على الأغنياء، وربما هناك محاولة لتخصيصها، وأتساءل كيف تعمل المولدات الخاصة في مدينة حلب، بينما الحكومة عاجزة عن تزويدنا بالكهرباء. الكل يلقي الخطابات على المواطنين، ويحضهم على الصبر، والتحمل، بينما لم نسمع عن وزير محروم من الكهرباء، أو يدرس أولاده على ضوء الشموع".
وأعلن وزير الكهرباء، غسان الزامل، في وقت سابق، أن كميات الكهرباء التي تحتاجها البلاد هي 7000 ميغاواط، لكن الكميات المنتجة تتراوح بين 2700 و3000 ميغاواط، وهي موزعة ما بين 1000 ميغاواط معفاة من التقنين، ومخصصة للمطاحن ومضخات المياه والمستشفيات، و1700 ميغاواط توزع على المحافظات بحسب استهلاك كل محافظة.