سجلت الشرطة الألمانية أكثر من 1007 حالات تهريب لمهاجرين غير قانونيين في النصف الأول من عام 2023، فضلاً عن 45338 حالة دخول غير مصرح بها بزيادة 16214 حالة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، والذي كان العدد الإجمالي لعمليات التهريب فيه 91986.
وأشارت السلطات إلى أن الحوادث والإصابات تحصل بشكل منتظم مع ازدياد عدد حالات التهريب، عدا عن حشر الأشخاص معاً في سيارات متوسطة الحجم من قبل المهربين، ليواجهوا مشكلات ومخاطر عدة، منها نقص الأوكسجين أو الجفاف أو انخفاض درجات الحرارة، وأحياناً حوادث الصدم نتيجة القيادة بسرعة تجنباً لمطاردة الشرطة لهم.
وتنقل صحيفة "دي فيلت" الألمانية عن رئيس قيادة الشرطة الفيدرالية ديتر رومان قوله إن المهربين لا يأبهون للخطر المحدق بحياة الأفراد، ويهتمون فقط بالمال وإثراء أنفسهم على حساب معاناة الناس. وتظهر تحقيقات استقصائية أن عمليات التهريب تتم عبر شبكات منظمة، ويتم نقل أكبر عدد من الأشخاص من منطقة معينة محملين عبر شاحنات، وما يصل إلى 10 آلاف شاحنة تتجه يومياً إلى شرق أوروبا. وتُعدّ الحدود الألمانية البولندية نقطة محورية للهجرة غير الشرعية على الرغم من وجود ثلاثة مراكز للشرطة مسؤولة عن الحدود مع ولاية براندنبورغ. ويواجه المسؤولون ما بين 30 إلى 50 مهاجراً غير قانوني يومياً، وتتم الكثير من عمليات التهريب عبر سيارات تحمل لوحات تسجيل بولندية. وفي حالت عدة، يظهر أنّ المهربين أشخاص حصلوا في أوقات سابقة على حق اللجوء من جورجيا وبولندا وألبانيا وغيرها.
وعن آلية عمل المهربين، أوضحت صحيفة "برلينر تسايتونغ" أن العصابات المنظمة دولياً تعمد إلى تقسيم العمل لضمان عملية التهريب. وفي حال تهريب شخص من أفغانستان إلى ألمانيا، تكلف العملية ما بين 8 و10 آلاف دولار، ويجب إثبات الوصول إلى ألمانيا. وفي العديد من المرات، يتم إنزال المهاجرين في القرى الحدودية لينتشروا في الغابات، فيما يطرق البعض أبواب السكان طلباً للدفء. وتشير السلطات إلى أن هامش الربح في الاتجار بالبشر مماثل لتهريب المخدرات. ويصل إلى ألمانيا أشخاص من جنسيات مختلفة، من بينها دول غرب أفريقيا واليمن والسودان وسورية وأفغانستان.
مؤخراً، تم الإبلاغ عن عدد متزايد من الوافدين عبر طريق بيلاروسيا الذي يؤدي إلى ولايتي براندبورغ وسكسونيا عبر بولندا. وقدمت هاتان الولايتان طلباً لوزارة الداخلية الاتحادية لوضع نقاط ثابتة للتفتيش عند الحدود، الأمر الذي رفضته الوزيرة نانسي فيسر.
من جهة أخرى، تستغل جهات خاصة في ألمانيا أوضاع المهاجرين، بينه شركات طيران ووكالات السفر وأصحاب النزل والعقارات غير المرغوبة أو المهملة، ويتقاضى هؤلاء 40 يورو على الليلة الواحدة. ويحصل مهاجرون على عناوين مراكز الشرطة من المهربين، حيث يذهبون مباشرة لتسليم أنفسهم.
وفي السياق نفسه، بينت صحيفة "بيلد" في تحقيق نشرته مؤخراً أنّ مئات الكوبيين قدموا إلى ألمانيا هذا العام لقضاء الإجازة كما يدعون، ليهبطوا من دون تأشيرة في فرانكفورت (رحلة ترانزيت)، ولا يلتحقوا بالرحلة الثانية التي عادة ما تكون إما إلى الإمارات العربية المتحدة أو صربيا. ومن خلال تحقيقات الشرطة مع إحدى العائلات المؤلفة من أب وأم وولدين وشخصين آخرين، اعترفت أن الرغبة لم تكن أبداً الذهاب إلى الإمارات، بل الهجرة غير الشرعية إلى إسبانيا حيث يعيش أقاربهم. ولهذا السبب، كان همهم التقدم أولاً بطلب لجوء في ألمانيا ومن بعدها مغادرة مخيم اللاجئين.
وأفادت الزوجة بأن المهربين طلبوا 25 ألف يورو بدل تذاكر الطائرة والسفر بالسيارة، وأرسلت إحدى أقاربهم في مدينة برشلونة الإسبانية مبلغ خمسة آلاف يورو لأحد أعضاء شبكة التهريب، ليحصلوا على تذاكر السفر عبر تطبيق واتساب. وأكد الزوج أن العائلة تعرضت للتهديد بالقتل من قبل المهربين إذا ما تم الإفصاح عن هويتهم في حال ضبطتهم الشرطة، وسيتم البحث عنهم في كوبا وأوروبا والقضاء على العائلة بأسرها. وبينت الصحيفة أن أربعة من أعضاء عصابة التهريب باتوا معروفين من قبل الشرطة، بينهم عميل في كوبا وصراف في فرانكفورت ومنظم وسائق في برشلونة. لكن من غير الواضح عدد الأشخاص (من مجموع 607) حتى بداية شهر يوليو/ تموز الماضي، الذين اعتمدوا هذه الطريقة لدخول ألمانيا وكان هؤلاء المهربون مسؤولين عن وصولهم. وأشار التحقيق إلى أن حلم هذه العائلة بالعيش في أوروبا تحطم بعدما كتب في ملف لجوئهم أنهم يبحثون عن بداية جديدة في إسبانيا لتحسين ظروفهم المعيشية، وأن الاضطهاد السياسي ليس سبباً أو دافعاً لمغادرة بلدهم كوبا.
ونظراً لارتفاع أرقام الواصلين من الراغبين باللجوء في أوروبا عبر هذه الوسائل، قالت السياسية عن الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا أندريا ليندهولز لصحيفة "بيلد" إنّه يتوجب على وزيرة الداخلية اتخاذ إجراءات سريعة لوقف عمليات التهريب على الفور، الأمر الذي تبنته الوزارة، وبات يتوجب على المسافرين الكوبيين عبر الترانزيت الحصول على تأشيرات دخول إلى المانيا. وكانت الشرطة الأوروبية "يوروبول" قد كشفت أخيراً أن ألمانيا واليونان ومقدونيا الشمالية وصربيا وإسبانيا فككت عصابات تهريب حققت أرباحاً بقيمة 45 مليون يورو من جراء تهريب آلاف المهاجرين الكوبيين إلى الاتحاد الأوروبي عبر طريق طويل ومكلف على نحو غير عادي، وكان كل فرد يدفع لقاء الوثائق المزورة والرحلة نحو 9 آلاف يورو، وهناك 62 شخصاً يشتبه في أنهم مهربون واعتقلوا بتهمة تسهيل سفر 5 آلاف مهاجر من كوبا إلى شرق أوروبا أولاً، ثم إلى دول مثل إيطاليا وإسبانيا، وأن المهربين استغلوا المهاجرين، بينهم الكثيرون من القصر الذين تعرضوا للاحتيال والسرقة والابتزاز. وفي بعض الحالات، تم تسليم نساء لجماعات إجرامية أخرى للاعتداء عليهن جنسياً.
وفي ظل انفلات عمليات التهريب وبهدف الحد من الهجرة غير الشرعية، دعا رئيس وزراء ولاية هسن بوريس راين إلى فرض ضوابط على الحدود. وقال لصحيفة بيلد إنه "يجب على الحكومة الفيدرالية أن تضمن عدداً أقل من الأشخاص الذين يأتون إلى ألمانيا بشكل غير قانوني، وبالتالي نحتاج إلى ضوابط شاملة على الحدود الخارجية لألمانيا"، مشيراً إلى أن أمن الحدود من مسؤولية وزارة الداخلية الاتحادية، وعلى وزيرة الداخلية اتخاذ التدابير المناسبة على الفور ومراقبة الحدود على مساحة البلاد من قبل الشرطة الفيدرالية، وعلى الأقل الحدود الداخلية المزدحمة بشكل خاص. كذلك، دعا إلى اعتماد سياسة أكثر تشدداً، مشيراً إلى أنه يجب أن تصبح البلدان التي يقل معدل الاعتراف بطلبات لجوء مواطنيها عن 5 في المائة بلدان آمنة، على أن تنفذ خطط الترحيل التي أعلنتها الحكومة على الفور، قبل أن يضيف: "للأسف، فإن حكومة إشارات المرور تفعل العكس وتعتمد على انفتاح لا محدود".
في الواقع، ما من عمليات تحقق من الهويات على الحدود في منطقة شنغن التي تنتمي إليها 27 دولة أوروبية. وبحسب شبكة "إيه آر دي"، فإنه خلال السنوات الأخيرة، أعادت بعض الدول فرض ضوابط حدودية جزئية. وعمدت ألمانيا إلى السيطرة على حدودها في ولاية بافاريا على الحدود مع النمسا منذ خريف 2015 بعدما شق عشرات الآلاف طريقهم من اليونان إلى أوروبا الغربية عبر طريق البلقان.
وتتطلب معالجة حالة كل شخص دخل إلى البلاد بشكل غير قانوني من ضباط الشرطة بين 3 الى 4 ساعات. فأولاً، يتم تفتيش أغراضه للتأكد ما إذا كانت في حوزته أسلحة أو أشياء خطرة أخرى، قبل الشروع في كتابة تقرير حول طريقة دخوله غير النظامي وفق ما تنص عليه اللوائح، ثم تصوير الشخص وأخذ بصمات الأصابع التي يتم إدخالها إلى نظام تحديد الهوية الأوروبية (يوروداك، وهو نظام البصمات). والهدف مقارنة البيانات هناك لمنع الأشخاص من التقدم بطلب للحصول على اللجوء في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. والصعوبة الكبرى هي عند وصول مجموعات كبيرة من المهاجرين، إذ تصبح مراكز الشرطة غير كافية وتزدحم القاعات بهم، قبل أن يصار إلى تسجيلهم ونقلهم إلى مراكز الاستقبال الأولية.