استمع إلى الملخص
- منظمات إنسانية مثل أطباء بلا حدود والهلال الأحمر الليبي تلعب دورًا مهمًا في إنقاذ المهاجرين وانتشال جثث الغرقى، بينما تواصل السلطات الليبية جهودها في إحباط محاولات التهريب والقبض على المتورطين.
- الخبراء يؤكدون على أن مشكلة الهجرة غير النظامية تتطلب تعاونًا دوليًا وتنسيقًا عابرًا للحدود، مع تطوير التشريعات وتعزيز التعاون الأمني والقضائي للحد من الظاهرة وتوفير الحماية للمهاجرين.
بعدما كانت حركة تهريب المهاجرين انطلاقاً من ليبيا قد انحسرت بعض الشيء، عادت لتنشط من خلال إغراء الراغبين في بلوغ الفردوس الأوروبي برحلات على متن قوارب الموت.
من جديد راحت تُسجّل حركة نشطة في تهريب المهاجرين غير النظاميين انطلاقاً من الشواطئ الليبية، على الرغم من تنفيذ السلطات الليبية شرقاً وغرباً حملات أمنية إلى جانب تشديدها الرقابة على مسارات التهريب الصحراوية. ويتّضح ذلك من خلال الأخبار التي تتالت في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر يونيو/ حزيران الجاري، والتي تُعلن فيها جهات رسمية عديدة تزايداً في أعداد الوفيات بين المهاجرين، بعد العثور على جثث تعود إلى أشخاص يخوضون رحلات هجرة غير نظامية عند السواحل الليبية. ويأتي ذلك بعد شهرَين من تراجع مثل هذه الأخبار.
ويوم الثلاثاء الماضي، انتشل عناصر جمعية الهلال الأحمر الليبي في مدينة صبراتة، شمال غربي البلاد، جثّة مهاجر مجهول الهوية عند شاطئ البحر، علماً أنّه عُثر على جثّة مهاجر آخر في المكان نفسه في الأسبوع الذي سبق. وفي الأسبوع الثاني من يونيو الجاري، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود تَمكّن فرقها من إنقاذ 160 مهاجراً وانتشال جثث تعود إلى 11 آخرين كانوا على متن قوارب متهالكة قبالة سواحل ليبيا، وفقاً لما أفادت المنظمة في تدوينة على موقع إكس. وفي التفاصيل، أوضحت المنظمة أنّها أنقذت 146 مهاجراً في عمليتَي إنقاذ، وعثرت على عشرين مهاجراً آخرين كانوا على متن قارب آخر، قبل تنفيذ عملية أخرى انتشلت في خلالها جثث المهاجرين الأحد عشر، مشيرةً إلى إمكانية غرق آخرين في عرض البحر. وقد كشفت عن ذلك منظمة الإغاثة الألمانية "رسكيوشيب" لاحقاً، إذ أكدت وفاة عشرة أشخاص يخوضون هجرة غير نظامية وفقدان عشرات آخرين على أثر غرق قاربَين كانا يقلان مهاجرين في عرض البحر.
وتوضح هذه الوقائع عودة عمليات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين ونشاط الفاعلين فيها. وفي المقابل، يستمرّ نشر الأخبار التي تتناول تشديد الرقابة على مسارات تهريب المهاجرين. ومن تلك الأخبار، تمكّنت دورية تابعة لجهاز إنفاذ القانون التابعة لوزارة الداخلية لدى حكومة الوحدة الوطنية، الأسبوع الماضي، من إحباط محاولة تهريب مهاجرين في مركبة محمّلة بالأثاث شرقي مدينة مصراتة في شمال غرب ليبيا. وقد أوضحت إدارة الجهاز، على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، أنّ الدورية ضبطت المركبة في أثناء عبورها حاجز تفتيش وفي داخلها عدد من المهاجرين الذين أُخفوا بين قطع من الأثاث. كذلك تمكّنت دورية تابعة للجهاز نفسه، في خلال الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، من إحباط عملية تهريب نحو خمسين مهاجراً في إحدى النقاط التي يعتمدها المهرّبون عند شاطئ البحر غربي مدينة مصراتة، موضحةً أنّ العملية نُفّذت في أثناء استعداد المهرّبين لإطلاق قارب كان هؤلاء المهاجرون على متنه. وفي الإطار نفسه، أُلقي القبض على متورّطين من شبكة المهرّبين المسؤولة عن تنفيذ العملية وأُحيلا إلى الجهات المختصة. وفي الأول من يونيو الجاري، أعلن اللواء 444 التابع لحكومة الوحدة الوطنية أنّ إحدى دورياته عثرت على عدد من المهاجرين في منطقة صحراوية، في حالة بائسة بعد أن تخلّى المهرّبون عنهم وسط الصحراء.
ولا تبدو تلك الجهود كافية للحدّ من مآسي المهاجرين وملاحقة المهرّبين وإطاحة شبكاتهم، بحسب ما يرى الباحث الأكاديمي حامد بن حريز المهتمّ بقضية المهاجرين. الأمر عنده، أنّ قضية الأشخاص الذين يخوضون رحلات هجرة غير نظامية هي "قضية دولية وليست محلية"، مبيّناً أنّ "من غير المستغرب عودة نشاط المهربين في حال استمرّ المجتمع الدولي في إهمالها". ويشدّد بن حريز لـ"العربي الجديد" على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي لإنهاء معاناة المهاجرين، وكذلك على ضرورة توثيق التعاون أكثر بين الأجهزة الأمنية المعنيّة بقضية ملاحقة المهرّبين ومراقبة مسارات التهريب وبين السلطات القضائية، إذ إنّ "مشاركة هذه السلطات في متابعة ملفّ المهاجرين سوف يساهم في تحجيم المهرّبين". ويوضح بن حريز أنّ ليبيا أنشأت في عام 2010 نيابةً خاصةً بمكافحة الهجرة غير النظامية لملاحقة المتورّطين في التهريب، مشيراً إلى أنّ القضاء أصدر أحكاماً عدّة في حقّ عدد من المهرّبين، آخرها حكم يقضي بسجن عدد منهم في الأسبوع الماضي.
يُذكر أنّ مكتب النائب العام أعلن سجن متّهمين من عصابة احتجزت مهاجرين غير نظاميين وأجبر ذويهم على دفع فدى مالية لإطلاق سراحهم في مدينة صبراتة. وجاء في بيان صادر عن مكتب النائب العام أنّ التحقيقات كشفت عن تعرّض المهاجرين، من الجنسية الباكستانية، للتعذيب والمعاملة القاسية على يد المهرّبين بغرض ترهيب ذويهم والضغط عليهم. كذلك كُشف عن تورّط هؤلاء المهرّبين في جرائم أخرى ذات صلة بنشاط تهريب المهاجرين عبر البحر.
ويلفت بن حريز إلى أنّ الخطوات التي تتّخذها السلطات الأمنية والقضائية في ليبيا تؤشّر إلى جهودها ورغبتها في القضاء على تهريب المهاجرين ومساعدة هؤلاء، إلا أنّه يتحدّث في الوقت نفسه عن تقصير السلطات التشريعية في مجلس النواب لجهة عدم تطوير تشريعات خاصة تقضي بمعاقبة المتورّطين في أنشطة التهريب التي تزايدت في السنوات الأخيرة. ويتابع بن حريز أنّ "من المهمّ تطوير التشريعات لتشمل عقوبات أكثر ردعاً، لكنّ الإجراءات المحصورة في الداخل الليبي سوف تبقى قاصرة"، مشدّداً على "أهمية التعاون الدولي ومساعدة الدول التي يخرج منها هؤلاء المهاجرون طالبين الحياة الكريمة التي لم يعثروا عليها في بلدانهم الأصلية".