تونسيون يتمسكون بعاداتهم المتوارثة في رمضان
للعام الثاني على التوالي، يحلّ شهر رمضان مع استمرار جائحة كورونا. وهذه هي حال تونس. إلاّ أنّ أهلها يصرّون على استقبال هذا الشهر على طريقتهم، من خلال استعادة تقاليدهم المتوارثة. يُطلق التونسيّون على شهر رمضان "سيدي رمضان". ويظهر اهتمامهم بهذا الشهر خلال "العواشر" أي الأيام العشرة التي تسبق حلوله، والتي يستهجن فيها ارتكاب الأخطاء. ويعلن عن بدء شهر رمضان من قبل ديوان الإفتاء بعد رصد الهلال. وبعد رؤية الهلال، تطلق المدافع ثلاث طلقات وتصدح المآذن بآيات قرآنية.
يبدأ الاستعداد لشهر رمضان في العادة منذ منتصف شهر شعبان (الشهر الهجري الذي يسبق شهر رمضان). في هذه الفترة، يردّد المواطنون عبارة "ريحة رمضان فاحت"، فتزداد حركة الناس في الأسواق وتزيّن المحال التجارية ويعيد التجار طلاء واجهات محالهم. وعادة طلاء واجهات المحال وتزيينها هي جزء من أعمال التنظيف الشاملة التي تقوم بها ربات البيوت في منازلهن، وتشمل طلاء جدران المطابخ وتجديد الأواني وشراء البهارات (التوابل) وتحضير المعجنات التقليدية التي تحضر خلال كل أيام شهر رمضان. ومن الوجبات الأساسية، شوربة الشعير (حساء من الشعير المحمص) والحلالم (حساء الخضار)، والنواصر (أكلة تقليدية تعود جذورها إلى مدينة تينجة في ولاية بنزرت، وتطبخ أساساً بالدجاج) وغيرها.
وعادة ما تكون لهذا الشهر أوانيه النحاسية الخاصة التي تتوارثها الأجيال في تونس. وأهمية هذه الأواني أنّها تضفي نكهة خاصة على الطعام. وقبل أسابيع من حلول الشهر، تتولى النساء تجديد هذه الأواني من خلال الاستعانة بحرفيين يطلق عليهم إسم "القزادرية".
ومن أهم سمات شهر رمضان في تونس، أنّه يمثل فرصة لتوطيد العلاقات الأسرية. وتحرص العائلات على التجمع حول مائدة الطعام. وكما يتشارك معظم الناس العادات الغذائية، لا تخلو مائدة من حساء الفريك، وهو الوجبة الأساسية في البلاد بسبب سهولة هضمها، بالإضافة إلى "البريكة"، وهي سيدة الموائد في رمضان.
وعشية دخول شهر الصوم، تشهد أسواق تونس حركة كبيرة، ولا سيما الأسواق الشعبية. ويعرض الباعة كلّ ما يحتاجه التونسيون خلال هذا الشهر من توابل وتمور وفاكهة مجففة. كما تنتشر البسطات وعربات التجار المتجوّلين الذين يبيعون المفارش وأغطية الطاولات والقدور والطواجن والخبز التقليدي.
ويكثر استهلاك الطعام في تونس خلال شهر رمضان. ويرتفع معدل الإنفاق على الطعام بمعدّل الثلث تقريباً مقارنةً ببقية أشهر السنة. وعلى الرغم من أنّ استمرار تفشي فيروس كورونا ينغص فرحة التونسيين بهذا الشهر للعام الثاني على التوالي، تحرض بعض العائلات على التمسك بالحدّ الأدنى من العادات، وتجاوز الضائقة المالية وتدابير الحجر الصحي وقيود التنقل بين المحافظات.
في هذا السياق، تقول ليليا الصمادحي (40 عاماً)، إنّ "الجائحة أثّرت على الوضع النفسي للتونسيّين وجعلتهم أكثر تحكماً في نفقاتهم"، إلاّ أنّ هذا لا يلغي شعورها بالفرح مع عائلتها بحلول شهر الصوم. توضح لـ "العربي الجديد" أنّها اكتفت هذا العام بشراء مسلتزمات أساسية، واتفقت مع زوجها على عدم إهدار الغذاء، بل إعادة تدوير الأطباق إذا اقتضى الأمر، تجنّباً للتبذير. ترى ليليا أنّ رمضان مناسبة لإعادة النظر في السلوك الغذائي والاستهلاكي، مشددة على ضرورة عدم الإسراف، مع التمسك بإحياء العادات التي تنعكس إيجاباً على أوضاع الناس النفسية، ومنها التكاتف وتقديم المساعدة للمحتاجين.
وللمساجد ودور العبادة أيضاً نصيب من الاستعدادات المبكرة لشهر رمضان، إذا تبدأ بتنظيم ساحات الصلاة وصيانة أجهزة الإضاءة والصوت حتى يتمكن المصلون من أداء صلاة التراويح وسط ظروف مناسبة. كما يعاد فرش المساجد بسجادات جديدة غالباً ما يقدمها ميسورو الحال كهدايا. وتكثر مجالس تحفيظ القرآن والذكر، وحلقات الوعظ الديني والمحاضرات الدينية، التي تحثّ على القيم الإسلامية، خصوصاً قيم التعاون والتضامن، التي تنعكس على الممارسات المجتمعية، وذلك من خلال تقديم المساعدات للعائلات المحتاجة، وتنظيم موائد الإفطار طوال الشهر.