عادت أزمة النفايات إلى الواجهة مجدداً في محافظة صفاقس بجنوب شرقي تونس، وصارت تتكدّس المخلّفات وسط مخاوف من التداعيات الصحية والبيئية لهذه الأزمة، خصوصاً مع بدء ارتفاع درجات الحرارة.
وكانت محافظة صفاقس ومنطقة عقارب تحديداً قد شهدتا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي احتجاجات غير مسبوقة بسبب النفايات وغلق مكبّ القنة، الأمر الذي أدّى إلى البحث عن حلول مؤقتة، من بينها تحويل أراض زراعية قريبة إلى مكبات لكنّ ذلك قوبل برفض كبير.
وبدأ جمع نفايات ولاية صفاقس مؤقتاً في مكبّ طريق الميناء الذي شهد تكدّساً كبيراً للنفايات في انتظار استكمال تهيئة موقع، في منطقة الليماية التابعة لمعتمدية منزل شاكر والتي تبعد نحو 60 كيلومتراً عن مركز الولاية، تُجمَع فيه النفايات قبل تحويلها لاحقاً إلى مكبّ مراقب. لكنّ أهالي المنطقة يرفضون بشدّة عملية التهيئة تلك واستغلال الموقع كمكبّ جديد للنفايات.
في هذا الإطار، يقول عضو الهيئة المديرة في قسم العدالة البيئية في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منير حسين، لـ"العربي الجديد" إنّ "الأزمة هيكلية مرتبطة بالخيارات والسياسات في المجال البيئي"، مبيّناً أنّ "النفايات الصلبة لا تُعالَج بذلك بل تُنقَل مصادر التلوّث من مكان إلى آخر، أي من الوسط الحضري إلى الريفي حيث الناس لا يملكون الإمكانيات السياسية للدفاع عن حقهم البيئي". يضيف أنّ "النفايات تكدّس قبل أن تُطمَر".
ويوضح حسين أنّه "عندما أُغلق مكبّ عقارب في صفاقس، وقع الخيار على منطقة الليماية، وهي منطقة فلاحية (زراعية) خصبة تضمّ تجمّعات سكنية"، لافتاً إلى أنّه "تمّت مقايضة السكان بالتنمية. لكنّ هؤلاء يرفضون ذلك، وحتى الآن لا حلّ لأزمة النفايات في صفاقس". ويتابع حسين أنّه "تمّت العودة إلى الخيار نفسه وهو الطمر. لكنّ هذه التقنية هي في مصلحة الشركات الكبرى التي تستفيد من مثل هذه الصفقات، من دون أن تُحَلّ المشكلة".
ويشير حسين إلى أنّ "الوضع البيئي في صفاقس يتأزّم ويتدهور، خصوصاً مع بدء ارتفاع درجات الحرارة، علماً أنّ المشكلة لا تكمن فقط على مستوى صفاقس إنّما تمتدّ إلى المدن المحيطة بها"، مؤكداً أنّ "مشكلات عديدة سوف تظهر نتيجة تعفّن النفايات، الأمر قد يدفع الناس إلى الاحتجاج وحرقها عشوائياً، وهذا أمر خطر".
ويلاحظ حسين عدم وجود "انتقال بيئي ولا معالجة حقيقية للنفايات، والمطلوب هو التحوّل إلى الفرز، وهذا أمر نلمسه في الخطاب السياسي لوزارة البيئة، لكنّه لا تتوفّر أيّ خطة عملية لانتقال بيئي عملياً". لكنّه يحكي أنّ "ثمّة مبادرات لتوفير آلات للفرز، إنّما المشكلة تبقى في التمويل، فلا الحكومة قادرة على تمويل مثل هذه المشاريع في غياب مساع أخرى لحلحلة الأزمة".
ويتوقّع حسين أن "يتّجه الوضع إلى التعقيد، وربّما العودة إلى مكبّ عقارب كحلّ مؤقت في انتظار العثور على مكبّ مناسب، وهو أمر مطروح أي في نفس دائرة الطمر، لكنّه سوف تكون لذلك تداعيات اجتماعية وخيمة. ويشدد على أنّه "لا بدّ من خلق وحدات للفرز بهدف الحدّ من تكدّس النفايات، إذ إنّ سلوك المواطن لم يتغيّر وهو لا يعي خطورة المشكلة، كذلك لم يتغيّر سلوك البلدية من أجل تعامل جديد مع النفايات المنزلية. وبالتالي، تستمر الأزمة، ولعلّ أولى حلقات التغيير تنطلق من المواطن والبلدية".
بالنسبة إلى حسين، فإنّ "هذا الملف وطني بامتياز ولا يعني فقط محافظة صفاقس، بل ثمّة تحرّكات اجتماعية متصاعدة ومختلفة في ما يتعلق بالتلوّث والبيئة عموماً، في ظلّ التعامل العشوائي مع المشكلة وعدم إدارة هذا الملفّ بشكل حسن".