ترتفع نسبة البطالة بين الشباب من حاملي الشهادات العليا في تونس، وقد زادت حدتها خلال السنوات الأخيرة بسبب توقف الانتدابات في الوظائف العمومية (الحكومية) لأكثر من أربع سنوات، ليكون القطاع الخاص هو البديل. لكن يرتبط مصير الآلاف من أصحاب الشهادات العليا بالوظيفة العمومية، وخصوصاً خريجي أقسام الآداب والعلوم الاجتماعية وغيرها.
وكثيراً ما لا يختار الشباب تخصصاتهم الجامعية بناء على حاجة سوق العمل. وأحياناً، تُفرض عليهم بعض التخصصات بسبب المجموع الضعيف في شهادات البكالوريا. والنتيجة بطالة قد تستمر طويلاً.
ونظّم آلاف العاطلين من العمل العديد من التحركات للمطالبة بحقهم في الحصول على عمل، وخصوصاً أولئك الذين تجاوزت معاناتهم من البطالة العشر سنوات. وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2020، صادق البرلمان على قانون تشغيل من طالت بطالتهم. ويعطي القانون أولوية الانتداب لحاملي الشهادات الجامعية لمن تجاوزت بطالتهم أكثر من عشر سنوات، وفق ترتيب تفاضلي بحسب العمر وسنة التخرّج.
وتختلف نسبة البطالة من تخصص إلى آخر وبحسب حاجة سوق العمل، لترتفع بين خريجي كليات الآداب والعلوم الاجتماعية والتاريخ والجغرافيا، الأمر الذي يدفعهم للجوء إلى القطاع الخاص علماً أن الفرص قليلة. وغالباً ما يعمل خريجو العلوم الاجتماعية في المؤسسات الرسمية على غرار السجون والإصلاحيات ودور المسنين ورياض الأطفال الحكومية والمستشفيات وغيرها. في هذا الإطار، يقول أحد خريجي العلوم الاجتماعية عبد الرحمان الميساوي لـ"العربي الجديد": "غالباً ما تغيب الانتدابات عن العديد من المؤسسات نظراً لعدم الاعتراف بأهميتها وأهمية وجود مساعد اجتماعي فيها". يضيف أن بعض المؤسسات على غرار السجون تكتفي بتوظيف مساعد اجتماعي واحد بالإضافة إلى معالج نفسي، علماً أنها تحتاج إلى مزيد من المتخصصين في ظل ارتفاع عدد السجناء. كما أن العديد من المؤسسات الأخرى التي تحتاج إلى متخصصين في هذه المجالات لا تحرص على الاستعانة بهم. ونظراً لقلة الانتدابات في الوظائف الحكومية، تكتفي المؤسسات الحكومية بتوظيف عدد قليل من أصحاب التخصصات غير الأدبية".
ودائماً ما يثير خريجو علوم الاجتماع أزمة البطالة التي يعانون منها علماً أن العديد من المؤسسات تحتاج إلى متخصصين في هذا المجال. وعام 2012، أعلن وزير التكوين المهني والتشغيل السابق عبد الوهاب معطر انتداب نحو 10 آلاف من خريجي العلوم الاجتماعية والنفسية في خطة مرافق مدرسي صلب المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية. يشار إلى أن الخطة كانت تهدف إلى دمج 10 آلاف شاب وشابة من حاملي الشهادات العليا بالوظيفة العمومية في صيغة شاب في طور التكوين، وإسنادهم منحة بقيمة 200 دينار (نحو 65 دولاراً) طوال العام، بالإضافة إلى انتداب 3 آلاف مرافق مدرسى لفائدة 1475 مدرسة إعدادية ومعهد ثانوي بمعدل مرافقين لكل مؤسسة، على أن يتكفل المرافق الأول بتأمين الإحاطة الاجتماعية للتلاميذ ويهتم الثاني بالأنشطة الثقافية.
لكن لأسباب اقتصادية، أوفقت الانتدابات في الوظيفة العمومية باستثناء الوظائف العاجلة والضرورية التي قد تؤدي إلى توقف مصالح الدولة والصالح العام في حال غيابها بحسب تصريحات مسؤولين.
ويتخرج سنوياً أكثر من 250 ألف طالب، من بينهم نحو 17 ألف طالب علوم اجتماعية وأدبية. ويتجاوز عدد خريجي العلوم الاجتماعية سنوياً ثلاثة آلاف خريج، وفق إحصائيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. إلا أن هؤلاء وغيرهم من العاطلين من العمل يواصلون تحركاتهم الاحتجاجية على مدى السنوات الأخيرة في محاولة لتغيير الواقع الصعب الذي يعيشونه، والمطالبة بانتدابهم على دفعات للحد من عدد العاطلين من العمل، وخصوصاً في صفوفهم، وخصوصاً أنه يوجد وظائف شاغرة في وزارة التربية.
في هذا السياق، تقول فاطمة بن صالح، إحدى خريجات كلية علم الاجتماع، إنّ العديد من رياض الأطفال الحكومية تفتقد لمتخصصين في علم الاجتماع بالإضافة إلى العديد من المدارس والمعاهد. وتلفت إلى "حاجة المؤسسات الأمنية والسجون والمستشفيات إلى مساعدين اجتماعيين. لكن يرى البعض أنه لا حاجة لهم".
وبداية هذا الشهر، أعلنت وزارة الأسرة و المرأة والطفولة وكبار السن عزمها انتداب 6 أعوان مساعدين اجتماعيين متخصصين في الأسر والأطفال وغير ذلك، بصفة تعاقدية، وهو ما انتقده العاطلون من العمل بسبب تعمد الدولة فتح باب انتدابات بصفة تعاقدية، علماً أن هذا لا يعد حلاً دائماً.