تونس: فرصة ثانية للمنقطعين عن الدراسة

17 يناير 2024
تواجه تونس زيادة أعداد المتسربين من المدارس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تسعى السلطات في تونس إلى زيادة عدد مدارس الفرصة الثانية لفتح آفاق جديدة أمام اليافعين المنقطعين عن التعليم والمهددين بالأمية، بعدما سجلت البلاد زيادة في نسبة الأميين وصلت إلى 17.7 في المائة، وبواقع مليوني شخص نصفهم من سكان الأرياف.
وفي عام 2021، أطلقت تونس المسار الجديد لإعادة التلاميذ المنقطعين عن التعليم الذي يستهدف الفئة العمرية بين 14 و18 سنة، في محاولة لمساعدتهم على استكمال مسارهم الدراسي أو تلقّي التدريب في إحدى المهن، وإكسابهم مهارات تسهل اندماجهم لاحقاً في سوق العمل. وخلال المرحلة الأولى، اكتفت السلطات بفتح مدارس في العاصمة تونس، وسط مطالب بالتوسع لضمان تكافؤ الفرص في بقية محافظات البلاد.

وكشف وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية، أن نسبة الأمية في تونس تبلغ 17.7 في المائة، مؤكداً أن هذه النسبة تصل بين النساء إلى 25 في المائة، 50 في المائة منهن في الوسط الريفي. وأنه لا معنى لمحاربة الفقر والتهميش من دون إكساب الأفراد المعرفة التي تمكنهم من الاندماج الاقتصادي.
يقول مدير مدرسة "باب الخضراء"، وهي أول مدرسة للفرصة الثانية، عبد العزيز العبدلي، إن هناك خطة لتوسعة قاعدة الفروع الجهوية لمدرسة الفرصة الثانية من أجل تحقيق عدالة أشمل للمنتفعين في مختلف محافظات البلاد. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه "يجرى الإعداد لفتح خمس مدارس جديدة موزعة على أقاليم البلاد في غضون الأشهر المقبلة، مع زيادة الإقبال على فرصة تعليم ثانية بعد نحو 3 سنوات من انطلاق أول تجربة".
ويشير إلى أن "شرائح واسعة من المنقطعين عن التعليم تقدم طلبات للالتحاق بمدارس الفرصة الثانية من أجل إعادة الإدماج في الوسط المدرسي والحصول على تدريب مهني بالتوازي مع ذلك"، مشدداً على "الأهمية النفسية والاجتماعية لهذه الفرصة في احتواء اليافعين المتسربين من التعليم. يأتي أولياء الأمور إلى مدرسة الفرصة الثانية، بحثاً عن حلول لأبنائهم بعدما غادروا مقاعد الدراسة طوعاً أو لأسباب نفسية أو تأديبية". 
ويضيف العبدلي أن "الانقطاع المدرسي في مرحلة التعليم المبكر تشمل مختلف شرائح المجتمع. إلا أن هذه النسب تزداد، خصوصاً لدى الأسر التي تعاني من تفكك أو صعوبات مالية تؤثر على نفسية أبنائها في مرحلة حساسة تتزامن مع سن المراهقة. لكن مكافحة آثار التسرّب المدرسي تحتاج إلى جهد وطني".

لا معنى لمحاربة الفقر والتهميش من دون إكساب الأفراد المعرفة (فرانس برس)
لا معنى لمحاربة الفقر والتهميش من دون إكساب الأفراد المعرفة (فرانس برس)

وتتعدد في تونس مسارات كبح الأمية والتصدي للتسرّب المدرسي المبكر. ويرى باحثون تربويون أن هذا نتيجة أزمة اجتماعية اقتصادية مركبة تؤدي إلى انقطاع تلقائي عن الدراسة لأسباب مادية بالأساس. وفي عام 2021، نشر منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة حول واقع التعليم في تونس، بيّن أن المنظومة التعليمية في البلاد دخلت في أزمة هيكلية تسببت في موجة تسرّب واسعة للتلاميذ في الأعوام العشرة الأخيرة.
وكشفت الدراسة أن نسبة التمدرس تنخفض مع تقدّم التلاميذ في العمر، إذ تُسجّل فوارق ما بين نسبة المتمدرسين الذين بلغوا سنّ السادسة والذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و18 سنة، وتنخفض النسبة من 99.5 في المائة للفئة الأولى إلى 81.9 في المائة للفئة الثانية، وهذه النسبة تعكس صعوبة تطبيق مبدأ إلزامية التعليم، على الرغم من أنّ القانون نصّ على ذلك منذ الإصلاح التربوي في عام 1991.
وأقرت تونس إلزامية التعليم ومجانيته بمقتضى قانون صدر في عام 1958، وجاء في نصّ القانون أنّ "أبواب التربية والتعليم مفتوحة لجميع الأطفال بدءاً من سنّ السادسة". كما أُقرّت مجانية التعليم في كلّ درجاته ضماناً لتكافؤ الفرص، وصاحب هذا استثمارٌ كبيرٌ في البنية التحتية التربوية عبر تعميم المدارس في المدن والأرياف.
ويؤكد عبد العزيز العبدلي أن الانقطاع عن التعليم يستفحل عندما لا يتجه المنقطعون إلى منظومة التكوين والتدريب المهني، ما دفع إلى إعداد مشروع بدأ تنفيذه بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" والسفارة البريطانية، لإنشاء مدرسة الفرصة الثانية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويجري توسيع برنامج الفرصة الثانية في مناطق الشمال الغربي، ومناطق الوسط والجنوب، ويسير البرنامج في إطار اتفاقية شراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والسفارة البريطانية ومنظمة يونيسف، بقيمة نحو 16.5 مليون دينار.
وذكر مسؤولون في وزارة التعليم التونسية أن البرنامج أدرج أيضاً في خطة تنفيذ القانون المتعلّق بإجباريّة الالتحاق بمؤسسات التكوين المهني بالنسبة للشبان المنقطعين عن الدراسة، وذلك بهدف تمكينهم الشباب من التكوين في اختصاصات والاندماج في الحياة المهنية.

المساهمون