قضت إحدى المحاكم التونسية في يناير/ كانون الثاني الماضي بسجن ثلاثة شبان لمدّة 30 عاماً بتهمة تعاطي الحشيش. وقد أثارت القضية احتجاج الشارع التونسي والمجتمع المدني، لا سيما ممن يُدافعون عن تعديل القانون 52 المتعلّق بقضايا المخدرات. ونفذوا تحركات احتجاجية رفضاً للحكم، وتنديداً بهذا القانون الذي يضع كلّ المواد المخدّرة في نفس الدرجة، على الرغم من الاختلاف بين المخدرات الخطيرة والكيميائية وبين نبتة القنب الهندي أو الحشيش المعروفة في تونس بـ"الزطلة".
وبالفعل، أعيد النظر في قضية الشبان الثلاثة خلال الشهر الحالي لتُصدر المحكمة، يوم 9 مارس/ آذار الجاري، حكمها بتخفيف الأحكام، لتتراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين سجناً.
وينصّ القانون التونسي الرقم 52، على عقوبة إلزامية بالسجن مدّتها سنة لكلّ من يُدان بحيازة مخدر، وخمس سنوات لمن يُعاود الجريمة نفسها. وقد تتجاوز الأحكام عشر سنوات سجناً لكلّ من يستغل أيّ مكان عام لتعاطي المخدرات أو ترويجها. والحكم الأخير لا يشمل فقط تعاطي المخدرات، بحسب قانونيين، بل أيضاً "استغلال ملعب رياضي لتعاطي مواد مخدرة".
جدال تغيير هذا القانون في تونس ليس بالجديد، إذ يتحرّك بعض الشباب مع كلّ محاكمة يُعتقد أنّها جائرة في حق متعاطي هذه النبتة، معتبرين أنّ تعاطيها لا يستحق السجن، خصوصاً أنّ الأحكام لم تساهم في الحدّ من عدد متعاطي المخدرات في تونس، بل إنّ عدد المتعاطين قد زاد بكثرة خلال الأعوام الماضية، مع بقاء أكثر من 7 آلاف محكوم بتعاطي المخدرات في السجون، وفق إحصائيات رسمية.
تبنى عدد من النواب خلال السنوات الأخيرة فكرة تنقيح القانون، وقدموا مبادرات تشريعية مختلفة لتنقيح قانون 52 والتخلي عن العقوبات السجنية وتعويضها بغرامات مالية مع تشديد العقوبات على المروجين. كذلك، قدّم نواب البرلمان الحالي مقترحات بإلغاء العقوبة السجنية بالنسبة لتعاطي هذه المادة أول مرّة، وتمكين المحاكم من استبدال العقوبة السجنية بعقوبات أخرى، مقابل تشديد العقوبات السجنية والمالية على المروجين.
لكنّ تعديل قانون تجريم تعاطي المخدرات تعطل في البرلمان بسبب التجاذبات السياسية حوله. وما زال يثير جدالاً داخله بين من يرى أنّه قانون جائر وجب تنقيحه، وبين من يعتقد أنّ تنقيحه سيشجع على تعاطي المخدرات. وقد سبق للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، تبني مطلب تعديل القانون وسن قانون جديد. الجدال أثير مجدداً بعد الحكم على العديد من الشباب في قضايا تعاطي "الزطلة"، وأدى إلى تحركات احتجاجية في الشارع التونسي ساندته جمعيات عدة تتبنى أيضاً موقف تنقيح القانون، لا سيما في ما يتعلّق بتعاطي الحشيش، مع سنّ غرامات مالية أو عقوبات بديلة في هذه القضايا. وأكد رئيس الحكومة هشام المشيشي، كذلك، على ضرورة تنقيح القانون 52 المتعلق بالمخدرات، واعتبر أنّ الجانب الانتقامي في هذا القانون يطغى على الجانب الزجري، مشيراً إلى أهمية إعداد مبادرة تشريعية لتنقيح القانون.
من جهته، أشار بسام الطريفي عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في حديث صحافي، إلى أنّ "المخدرات تنقسم إلى ثلاثة أنواع، وهي مواد سمية وكيميائية وطبيعية. لكن، وضعت جميعها وفق القانون في جدول واحد، على الرغم من أنّه لا يمكن مقارنة شخص يتعاطى مخدرات خطرة تؤثر على الوعي بشخص يدخن سيجارة حشيش. ولأنّ التصنيف مهم جداً وجب تنقيح القانون، الذي ما زال يتضمن عقوبات قاسية في بعض القضايا لا تتلاءم مع الاتهامات".
تأسس خلال السنوات الماضية "الائتلاف من أجل تقنين القنب الهندي" ليس للدفاع فقط عن تعاطي "الزطلة" وإلغاء العقوبات السجنية وحتى المالية، بل للدعوة أيضاً إلى تقنين تعاطيها عبر احتكار بيعها من قبل إحدى مؤسسات الدولة، أو مراقبتها والترخيص للاستهلاك الشخصي. يقول، كريم شعير، العضو في الائتلاف لـ"العربي الجديد" إنّ "الزطلة " التي تعرف في العالم بالقنب الهندي "ليست إلا نبتة طبيعية لا تحتوي على مواد كيميائية خطرة، ويؤدي تعاطيها إلى الانتشاء وليس إلى خروج الشخص عن وعيه.
لكن هناك من يقوم بخلطها ببعض المواد السامة أو أنواع أخرى من المخدرات فتصبح خطرة تؤثر على صحة المتعاطي ووعيه وجهازه العصبي. ونحن نؤكد على ضرورة عدم السماح بترويج الزطلة التي تُخلط بمواد كيميائية أو سامة، مقابل السماح باستهلاك الزطلة الطبيعية، من دون أيّ إضافات، وترويجها تحت إشراف مؤسسة حكومية". يضيف أنّ الائتلاف يسعى إلى تقديم مقترح قانون جديد ينظم عملية استهلاك القنب الهندي وحتى عملية بيعه.
كذلك، تأسس ائتلاف شبابي باسم "جبهة تحرير الكيف" يطالب بتحرير استهلاك القنب الهندي، وإلغاء كلّ العقوبات السجنية وحتى المالية في حق المتعاطين.