- يرمز ثوب الصلاة للمعاناة والذكريات الأليمة للنساء في غزة، حيث يشهد على الدموع والدماء خلال العدوان الإسرائيلي، مع قصص مؤثرة كقصص آية أبو رجيلة وفايزة لبد.
- يتحول ثوب الصلاة إلى رمز للصمود والتحدي في وجه العدوان، معكسًا قدرة النساء على التكيف مع الظروف القاهرة ومبرزًا الحاجة الماسة للدعم والمساندة.
أصبح ثوب الصلاة في قطاع غزة الأكثر ارتداءً بين النساء من مختلف الأعمار. وتظهر الصور النساء يرتدين هذا الثوب في خيام النزوح ومراكز الإيواء على الحدود الشرقية للقطاع، في ظل اضطرارهن الدائم إلى الإخلاء السريع. ومنذ الأيام الأولى لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، اختارت الغزيات ارتداء ثوب الصلاة كخطوة أولى استعداداً للعدوان كونه لا يعيق حركتهن ويستر أجسادهن، هن اللواتي اختبرن الاعتداءات الإسرائيلية وأجبرن على النزوح مراراً.
في منطقة المخيمات ومراكز الإيواء والمدارس، ترتدي معظم النساء ثوب الصلاة، ومنهن من لا يملكن أثواباً إضافية منها للتبديل. لم يتخيلن أن العدوان سيستمر أشهراً وهن في الثوب نفسه الذي كن يرتدينه لدقائق في اليوم أثناء الصلاة كما تقول آية أبو رجيلة (34 عاماً). نزحت آية برفقة أسرتها من بلدة خزاعة، شرق مدينة خانيونس، إلى خيمة على الحدود الفلسطينية المصرية، تقول إنها اعتادت ارتداء ثوب الصلاة خلال الاعتداءات الإسرائيلية، وخلال مساعدة أسرتها في نقل الخضار والأعشاب على مقربة من أراضيهن الزراعية الحدودية. تضيف: "لم تبق أرض ولا جلسات ولا منزل ولا شيء".
تضيف آية متحدثة لـ"العربي الجديد": "هذا الزي يريحنا حتى لو كان مرتبطاً بعض الشيء بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. إلا أنه أصبح كئيباً بالنسبة للنساء في ظل معاناة نشهدها يومياً في المنازل والطرقات والخيام والمدارس والمستشفيات. حتى المصابات على أسرة المستشفيات، منهن نساء من عائلتي وأخريات شهيدات، كن يرتدينه".
اعتمدت النساء ثوب الصلاة كثوب طوارئ خلال العدوان الإسرائيلي ما بين 2008 و2009، علماً أنه ينتشر في قطاع غزة منذ عام 2000. في ذلك العام، عايش الغزيون النزوح الأول بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.
ووجدت النساء أنه زي يستر كل الجسد في حال اضطررن للخروج سريعاً إلى الشارع للبحث عن مكان آمن أو خلال الإخلاء السريع، لتكون الحركة والتنقل فيه أسهل لأنه زي فضفاض وتسهل الحركة فيه، لكنه أصبح رفيقاً لهن في العدوان المستمر. وفي العدوان الحالي، لا يجدن أثواب صلاة في الأسواق خلال الفترة الأخيرة، وقد اهترأت تلك التي يرتدينها.
وتوضح آية أن بعض المراهقات كن يملكن ثوب صلاة واحد. لكن خلال العدوان الحالي وبسبب قلة توفر الملابس وخصوصاً بسبب اضطرارهن للنزوح الفجائي، اضطررن إلى ارتدائه علماً أنهن بتن يشعرن بالضيق لارتدائه لوقت طويل.
من جهتها، تعيش فايزة لبد (56 عاماً)، حالة من الحزن بسبب استشهاد اثنين من أشقائها وأبنائهم في شمال قطاع غزة، مشيرة إلى أن ثوب الصلاة كان شاهداً على بكائها الشديد وكانت تمسح دموعها فيه، وعليه دماء أحدهم بعد استهداف منزلهم في بلدة بيت لاهيا.
تقول فايزة لـ"العربي الجديد"، وهي الموجودة داخل مدرسة بنات رفح الإعدادية: "خلال 15 عاماً، عشت أكثر من عدوان على قطاع غزة". تضيف أن لدى الغزيات طقوساً يسارعن لإتمامها مع بدء الغارات الجوية التي تأتي مباغتة ومن دون سابق إنذار، "لكن في هذا العدوان، كل يوم له طعم مختلف. ثوب الصلاة هذا لطخ كثيراً بالدماء والدموع والهموم. بعض النساء يعشن في أثواب مهترئة ويبحثن عن إبرة وخيط لإصلاحها".
تجدر الإشارة إلى أن غالبية شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة المستمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي هم من النساء والأطفال.
من جهتها، تشير عائشة رضوان، وهي نازحة في مدينة رفح، وكانت تقيم في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، إلى أنها حاولت البحث عن ثوب صلاة في خانيونس قبل النزوح، ثم في مدينة رفح من دون أن توفق. وتشعر بالقلق من استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة لوقت أطول. تضيف أنها كانت تحب ثوب الصلاة الذي يريحها وخصوصاً أثناء الصلاة وقراءة القرآن، لكنه تحول إلى مصدر قلق بالنسبة إليها.
وتشير إلى أن ثوب الصلاة يخفي خلفه أجساداً منهكة أرهقها غبار القصف والنزوح من مكان إلى آخر، وأصبح يرتبط بالقصف المتواصل والموت والنار، علماً أنه ثوب الصلاة والدعاء صباحاً ومساء، وتقول لـ"العربي الجديد": "كم سيدة أجبرت على النزوح وسط واقع صعب ومأساة. خرجت وأنا أرتدي ثوب الصلاة من حي الشيخ رضوان وصولاً إلى مجمع الشفاء الطبي، وكنت ملطخة بالدماء وبدخان القصف".