أعلنت السلطات التعليمية في العاصمة العراقية بغداد بدء العام الدراسي الجديد في الجامعات والمعاهد في عموم البلاد، وسط توجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتكثيف الحصص الدراسية للطلاب تعويضاً عن العامين السابقين، إذ تأثرت الجامعات والمعاهد بتفشي جائحة كورونا واضطرت إلى الإغلاق مرات عدة، واعتماد الدراسة عن بعد.
وتُجسّد جامعة "الأنبار" (تقع في الجانب الغربي من نهر الفرات الذي يمر في مدينة الرمادي، غربي العراق)، قصّة نجاح في مدينة الرمادي، العاصمة المحلية لمحافظة الأنبار، غربي البلاد، بعدما تمكنت في ظروف استثنائية من إعادة إعمار مباني وأقسام الكليات التابعة لها من جراء تعرّضها لدمار كبير إثر احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) البلاد عام 2015، وقيامه بحملة تخريب وتفجير واسعة أتت على أكثر من 60 في المائة منها.
وبدأت الجامعة العام الدراسي مع التحاق أكثر من 30 ألف طالب بها من كلا الجنسين موزعين على 18 كلية رئيسية، أبرزها الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة والعلوم والأدب والقانون والتربية، وتعد من أبرز الجامعات، وقد حققت خلال السنوات الماضية مراكز متقدمة في مجال الأبحاث والدراسات العلمية على مستوى البلاد. وبحسب بيان صدر عن وزارة التعليم والبحث العلمي في بغداد أخيراً، فإنّ 22 جامعة عراقية حققت مراتب تنافسية في تصنيف كيو أس (QS) العالمي لجامعات الدول العربية، ومن بينها جامعة "الأنبار".
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع)، عن الوزارة قولها إن جامعة بغداد حصلت أيضاً على المركز 26 من أصل 181 جامعة عربية استناداً إلى السمعة الأكاديمية ونسبة أعضاء الهيئة التدريسية قياساً بعدد الطلاب، بالإضافة إلى شبكة البحث العلمي الدولية والتأثير الإلكتروني، ونسبة الحاصلين على درجة الدكتوراه.
يتحدث مدير قسم الإعلام والعلاقات العامة في جامعة "الأنبار" أحمد الراشد، عن "تنفيذ الجامعة خلال الفترة الماضية خطة واسعة لتوحيد الجهود في الكليات التابعة لها بغية الدخول في التنافس الأكاديمي والعلمي عن طريق المشاركة في التصنيفات العالمية الرصينة". ويؤكد أن "الجامعة، ورغم تحديات الحرب على الإرهاب وما خلفه احتلال تنظيم داعش لمدن واسعة من شمال وغرب البلاد ومنها حرم جامعة الأنبار، تمكنت خلال وقت قياسي، من خلق بيئة أكاديمية متميزة تكون قادرة على تخريج طلاب قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل". ويشرح الراشد أن أساتذة الجامعة شاركوا بأنفسهم في تأهيل وتنظيف وإعادة إعمار ما جرى تدميره خلال احتلال "داعش" الحرم الجامعي وتخريبه مباني ومساحات واسعة منها بما فيها المختبرات والقاعات الدراسية والمرافق العلمية الأخرى، ما يمكن اعتباره قصة نجاح في ظل الحرص على عدم تعطيل الدراسة أو التأخر عن الجامعات الأخرى.
وفي صيف عام 2015، أعلنت قيادة العمليات المشتركة بين بغداد والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تحرير جامعة "الأنبار" من "داعش"، بعدما سيطر عليها لفترة طويلة. وكان الإعلان بمثابة نقطة تحول في مهمة تحرير المناطق الأخرى في المحافظة.
ووفقاً للراشد، فقد حققت الجامعة، بعد عام من تحريرها، المرتبة الثامنة من بين 22 جامعة عراقية في تصنيف الجامعات العالمي (QS)، كما احتلت المرتبة الثالثة في التصنيف العالمي الروسي RUR من بين سبعة وثلاثين جامعة عراقية، وحصلت على مراتب متقدمة في تصنيفات أخرى مماثلة إسبانية وإندونيسية. وأخيراً، حققت تقدماً في مشروع الطاقة البديلة من مشاريع الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة.
يتحدث أحمد المشهداني، وهو طالب سنة رابعة في كلية العلوم - قسم الفيزياء، بجامعة "الأنبار" عن الجامعة بشغف. يقول، هو الذي فقد والده وزوج شقيقته بعد اختطافهما من قبل مليشيات مسلحة حليفة لإيران عند حاجز في بزيبز (إحدى القرى التابعة لعامرية الفلوجة في محافظة الأنبار)، شرقي المحافظة، إلى جانب مئات آخرين ما زال مصيرهم مجهولاً حتى الآن، إنّه عاش مع أساتذة الجامعة والعاملين فيها كأنهم أسرة واحدة. وتابع متحدثاً لـ"العربي الجديد"، بالقول: "لعل هذا كان السبب الأول في تجاوز كليات الجامعة محنة احتلال داعش وعودتها للتنافس مع أهم جامعات العراق والتفوق عليها أيضاً، والجامعة محظوظة بأساتذة تحسد عليهم من جامعات أخرى". ويستذكر زميلاً له توفي قبل عامين بسبب إصابته بمرض خلال فترة نزوحه، وكان يتمنى أن يتشاركا حفل التخرج.
من جهته، يقول رئيس لجنة التعليم في البرلمان العراقي المنتهية ولايته مقدام الجميلي إن حملة الإعمار والتأهيل مستمرة في الجامعة حتى الآن، وهناك تناغم واضح بين مسؤولي الجامعة والحكومة المحلية في الأنبار. يضيف أن "تجاوز الجامعة محنة احتلال داعش والتدمير الذي حل بها وتسجيلها أرقاماً عالية في التصنيف المحلي والدولي يؤكد أيضاً على فشل مشروع التنظيم الإرهابي في العراق ككل والمدن المتضررة منه تحديداً". ويرى أن الإنجاز العلمي الذي حققته يمثل الجانب الأهم من قصة نجاح الجامعة"، في إشارة إلى إعادة تأهيل وإعمار المباني والأقسام التي تعرضت للتدمير.
وبلغ عدد الجامعات التي دمرت عقب اجتياح تنظيم "داعش" لمدن واسعة في شمال وغرب البلاد، منتصف عام 2014، ست جامعات في الرمادي والفلوجة (غرب)، وتكريت والموصل وتلعفر، شمالي البلاد، وقد تمكنت جامعة الأنبار من تخطي الأزمة، وتستقبل حالياً طلاباً من مدن ومحافظات جنوب البلاد ووسطها فضلاً عن العاصمة بغداد.
يقول الخبير العلمي السابق في وزارة التعليم العراقية، المستشار الحالي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء أحمد الموسوي، إن تعافي المراكز والمؤسسات التعليمية في المدن المحررة كان عامل تشجيع معنوي كبير للسكان على أن ثمة فرصة أخرى لتجاوز ما خلفه "داعش" من خراب ومآسٍ كبيرة. يضيف الموسوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التعافي المقصود لا يتعلق بإعادة إعمار المباني، بل بالجانب الأكاديمي والعلمي الذي تفوقت فيه أيضاً. ونعتقد أن دور الجامعات في المدن يوازي دور القائد الموجه. لذلك، أي تقدم يحسب في مدن الأنبار المحررة على مختلف الصعد، فإن لجامعة الأنبار دوراً فيه بالتأكيد".