شهدت جلسة تشاورية لمنتدى قطاع العدالة في منظمة النهضة العربية، مساء أمس الأحد، جدلا حول تعديلات قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الذي أقره مجلس النواب الأردني الأربعاء الماضي، وخصوصاً الجزئية المتعلقة بعدم تسجيل سابقة تجريم المتعاطي لأول مرة، إذ مال كثيرون إلى اعتبار مستخدم المخدرات ضحية.
وخلال الجلسة، طالب ذوو الخلفيات الأمنية والقضائية، مثل مدير دائرة مكافحة المخدرات الأسبق طايل المجالي وخبير الأمن والعدالة عبد الله أبو زيد وعدد من القضاة، بتغليظ العقوبات في قضايا المخدرات، ومنها التعاطي، معارضين عدم تسجيل السابقة الأولى.
في المقابل، طالب أخرون، من بينهم أستاذة علم الاجتماع الإكلينيكي في الجامعة الأردنية رولا سوالقة ومدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين في وزارة الصحة سابقا جمال العناني، والخبير التربوي ذوقان عبيدات، بتجنب المنظور العقابي للمتعاطي وتشجيعه على العلاج وإدماجه في المجتمع وإعداده ليصبح عضواً منتجاً، مؤكدين أن العديد من الدول نجحت في تحويل المتعاطين، خاصة من الشباب، إلى أشخاص أسوياء يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويخدمون مجتمعاتهم.
ولفت الحضور إلى الفجوة الكبيرة القائمة في التعامل مع علاج المتعاطين، ففي حين تسجل أكثر من 20 ألف قضية مخدرات سنويا، فإن هناك نحو 200 سرير فقط في الأردن لمعالجة متعاطي المخدارت، فضلا عن مخاطر زج المتعاطين في السجون التي يزيد عدد النزلاء فيها عن 150 في المائة من طاقتها الاستيعابية.
وأقر مجلس النواب الأردني، الأربعاء الماضي، تعديلات على القانون تضمن "عدم تسجيل قيد أمني أو سابقة جرمية بحق كل من تعاطى، أو جلب، أو هرب، أو استورد، أو صدر، أو حاز، أو اشترى، أو تسلم، أو نقل، أو أنتج، أو خزن، أو زرع أياً من المواد المخدرة للمرة الأولى بقصد التعاطي"، فيما تجتمع اللجنة القانونية في مجلس الأعيان، الاثنين، لمناقشة مشروع القانون قبل إقراره من الغرفة الثانية للبرلمان.
ودعا حضور الجلسة التشاورية لمنتدى قطاع العدالة إلى ضرورة إشراك مؤسسات المجتمع المدني وأصحاب الاختصاص في النقاشات المتعلقة بتعديلات القانون، باعتبارها جهات مطلعة على أسباب التعاطي، مشيرين إلى وجود حالات من المتعاطين لأول مرة حكم عليهم بالسجن، ما تسبب في تفاقم سلوكياتهم ليصبحوا مدمنين، ولم يكن السجن رادعاً لهم، بل تعرفوا داخله على تجار ومروجين، وتم التغرير بهم ليصبحوا بعد خروجهم من السجن تجارا.
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية سمر محارب إنه خلال العام الماضي ورد إلى المنظمة 83 حالة وقضية تتعلق بالمخدرات، بارتفاع 67 في المائة عن العام السابق، مبينة أن "أغلب الحالات كانت لرجال متزوجين"، محذرة من خطورة المخدرات على الاستقرار الأسري، فضلا عن أثرها على اللاجئين الموجودين في الأردن، وعلى المجتمعات المهمشة.
بدوره، قال رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب محمد الهلالات إن "عدم تسجيل فعل التعاطي للمرة الأولى كسابقة جرمية لا يمنع إنزال العقوبة على هذا الفعل، بحيث يعاقب الفاعل بالحبس ولا يفلت من العقاب، وعدم تسجبل القيد يهدف إلى إعطاء فرصة للمتعاطي ليعود إلى رشده، بينما عقوبة التاجر والمروج مغلظة"، واعتبر أن "مكافحة المخدرات نوع من السياسة العقابية التي لجأ إليها المُشرع في إعطاء فرصة لإصلاح المتعاطين، لذا لم يعتبر المُشرع هذا الفعل الذي عوقب عليه بوصفه سابقة أو قيداً أمنياً، ولم ندرس قانون مكافحة المخدرات وحدنا في اللجنة القانونية النيابية، وإنما بالتعاون مع خبراء في مكافحة المخدرات وقضاة".
وترى أستاذة علم الاجتماع الإكلينيكي رولا سوالقة أن "مشكلة المخدرات بالدرجة الأولى اجتماعية قبل أن تكون قانونية، وتساعد عوامل عديدة على انتشارها، كالفقر والبطالة والتفكك الأسري، وفي علاج قضايا المخدرات نحتاج إلى مختص صاحب خبرة".
من جهته، قال مدير دائرة مكافحة المخدرات الأسبق طايل المجالي: "كنا ندخل المتعاطي لأول مرة إلى السجن وهو يعرف تاجر مخدرات واحد، فيخرج من السجن وقد عرف أكثر من عشرين تاجرا. عدا عن الانتهاكات الجسدية التي يتعرض لها داخل السجن. هناك انتشار كبير للمخدرات في الأردن، لكن لا توجد دراسات حديثة دقيقة تحدد حجم المشكلة، وبعض دول الجوار تنتج المخدرات بشكل كبير لتغرق المنطقة، وفي العام الماضي، جرى تسجيل نحو 20 ألف قضية تعاط، لكن بسبب جائحة كورونا لم يسجن أي منهم".
من جانبه، أشار خبير الأمن والعدالة عبد الله أبو زيد إلى أن "تغيير القوانين وعدم تشديد العقوبة على التعاطي والترويج والتجارة يرفع أعداد متعاطي المخدرات بدرجة كبيرة، وتعديل قانون المخدرات في عام 2013 تضمن عدم تجريم التعاطي، لتكشف تقارير رسمية بعد ذلك زيادة انتشار المخدرات في البلاد".