أثار تسجيل صوتي مُسرّب منسوب لمسؤولين قضائيين، جدلاً واسعاً في المغرب، لتضمّنه اتهامات بتدخل محامية في تدبير ملف قضائي معروض على أنظار هيئة قضائية بخصوص حدثين (أقل من 18 سنة) في حالة اعتقال.
وفجّر التسجيل الصوتي المسرّب معركة جديدة بين قضاة المملكة وهيئات المحامين، وأحدث رجة في الوسط القضائي أعادت الحديث عما يصفه البعض بلوبيات الفساد والإفساد التي تهدد الأمن القانوني والقضائي في البلاد.
ويحتوي التسجيل الصوتي على حوار دار بين رئيسة غرفة لمحكمة النقض (أعلى محكمة في المغرب) ورئيس غرفة الجنايات بمحكمة البيضاء، ومضمون الحوار الذي جرى بينهما يتحدث عن وجود "سماسرة" وعبارات تمسّ بسمعة بعض المحامين.
وورد في التسجيل، حديث قاضية بمحكمة النقض إلى هيئة قضائية بمن فيهم رئيس غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث تخبر بملف حدثين تعرّض ذووهما للابتزاز من طرف محامية طلبت منهم مبلغ 25 ألف درهم ( 2500 دولار) مقابل التدخل لدى الهيئة القضائية للحصول على براءتهما.
وقالت القاضية في التسجيل، إنّ المحامية موضوع الحوار "تسيئ لسمعة القضاء والقضاة، إذ تعرف المحامية المعنية بعملها كوسيط، وعند علمها بأن ملف الحدثين تأجل إلى سبتمبر/أيلول المقبل، أخبرت الأم، أن ذلك بسبب رفضها أداء المبلغ المالي الذي طلبته مقابل حلّ الملف مع الهيئة القضائية التي تتابع القضية، مستنكرين في محادثتهم "متاجرة بعض المحامين في المواطنين باسم القضاة، معتبرين ذلك تشويهاً لسمعتهم ".
وفي خطوة لافتة، نظم العشرات من المحامين، بدعوة من جمعية المحامين الشباب اليوم الأربعاء، وقفة احتجاجية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء من أجل "التنديد باستشراء الفساد والتصدي للتدخل والتأثير في القضاء من طرف كل من يسعى إلى تقويض سيادة القانون".
واعتبرت "جمعية المحامين الشباب"، أن الوقفة "محطة جديدة مفصلية في معركة الدفاع عن نبل رسالة المحاماة وسمو رسالة القضاء في مواجهة ما أسمته بلوبيات الفساد والإفساد التي تهدد الأمن المهني للمحامين والقضاة الشرفاء والأمن القانوني والقضائي للمواطنات والمواطنين".
وقال المحامون في بيان لهم عقب الوقفة الاحتجاجية، إنّ ما كشف عنه الشريط الصوتي المسرب مؤخراً "لا يمثل سوى نموذج كاشف للممارسات التي تقتل ثقة المواطنين في العدالة وتفتح الباب على مصراعيه للسماسرة والمفسدين من كل جانب ليعيثوا فساداً".
وأضافوا:" آن الأوان لكي يعي الجميع بأن الفساد لا يتجسد فقط في القاضي الذي يطلب أو يقبض الرشوة، ولكنه يتجسد أيضا في القاضي الذي يسمح لأي كان بأن يتدخل في ملف معروض على نظره ويتحدث إليه معتذراً طالباً الصفح لأنه اضطر لاحترام حقوق الدفاع ولم يجهز الملف ليقضي فيه بما كان متفقاً عليه.. والقاضي الذي يسمح بتدخل أصدقائه وذوي الحظوة لديه ويحس بأنه ملزم بأن يراعي مكانتهم .. والقاضي الذي يعتبر أن طلبات النافذين أوامر لا ترد".
إلى ذلك، عبر "نادي قضاة المغرب"، في بيان أصدره اليوم الأربعاء، عن رفضه لمختلف أشكال التدخل في السلطة القضائية، بغض النظر عن مصدرها، بما يضمن عدم التأثير في مجريات القضايا المعروضة عليه أو التي فتح بشأنها بحث قضائي بأمر وإشراف الجهة القضائية المختصة.
بالمقابل، أعلن النادي إحجامه عن التعليق على قضية التسجيل الصوتي، "ما دام أنها أصبحت موضوع بحث قضائي فُتِح بأمر وإشراف النيابة العامة المختصة، وذلك احتراماً للقضاء وتجنباً لأي تأثير محتمل عليه".
ودعا جميع القضاة إلى "تفعيل مقتضيات الفصل 109 من الدستور، وذلك بإحالة كل المحاولات غير المشروعة للتأثير على أوامرهم وأحكامهم وقراراتهم على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات كفيلة بحماية استقلاليتهم".
وعلى إثر الضجة التي أثارها التسجيل، طالبت فيدرالية اليسار( معارضة) وزير العدل عبد اللطيف وهبي بفتح تحقيق نزيه بخصوص التسجيل، معتبرة، في سؤال كتابي وجهته إليه، أن مضمونه له تداعيات على جسم القضاء ومهنة المحاماة ومنظومة العدالة بشكل عام.
وأكدت الفيدرالية على أن خطورة الأمر تستدعي تدخل وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية لفتح تحقيق نزيه وشفاف مع الأسماء المساهمة في التسجيل، وترتيب الآثار القانونية لذلك، من أجل إعادة الاعتبار للعدالة بكافة مكوناتها.
وكان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قد أعلن الأسبوع الماضي، أن النيابة العامة أعطت تعليماتها للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء من أجل إجراء بحث للتحقق من حقيقة وظروف وخلفيات ما ورد بشريط صوتي متداول منسوب لقضاة حول وجود تدخل في تدبير ملف قضائي معروض على أنظار هيئة قضائية.
وقال إنه سيتم "الاستماع إلى كل من له علاقة بالموضوع، وإجراء جميع التحريات اللازمة لبلوغ ذلك، هذا وحالما تنتهي الأبحاث سوف يتم ترتيب الآثار القانونية اللازمة على ذلك".