تشمل الجريمة البيئية كل الأعمال التي تؤذي البيئة أكانت عن جهل أو قصد، وتضم أعمال التجارة غير الشرعية في الحياة البرية، وتهريب المواد التي تستنفد طبقة الأوزون، التجارة وبيع النفايات الخطرة، وكل أنواع الصيد غير القانوني في البر والبحر، والذي لا يخضع لتنظيم ولا يصرح عنه، والقطع غير القانوني للأخشاب والاتجار بها.
إلى هذه الجرائم الأساسية هناك جرائم أخرى، مثل رمي القمامة، والتخلص غير السليم من النفايات، والتسرب النفطي في البحار والأنهر وتدمير المناطق الرطبة، ورمي النفايات في البحار والبحيرات والأنهار والسواقي، وتلويث المياه الجوفية، التعامل غير السليم مع مبيدات القوارض والحشرات والمواد الكيميائية السامة الأخرى، وحرق القمامة.
ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أعلنت في أيلول/ سبتمبر 2016 أنها ستحاكم الحكومات والأفراد بتهمة ارتكاب جرائم بيئية، لكن شيئاً لم يحصل في منطقة الشرق الأوسط، ليس لأنها خالية من المخالفات المذكورة، بل لأن عدم الاستقرار السياسي يمنع حكوماتها من مكافحة الجرائم البيئية المتعددة التي تحصل فيها.
وبالنسبة إلى الطيور، تمنع الاتفاقات والقوانين الدولية اصطياد الطيور المهددة بالانقراض والآيلة إلى الزوال، لكن بعض الدول الأوروبية وأخرى في شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط لا تردع هذا الأمر. ويحظر اتفاق برشلونة لحماية البحر المتوسط تحديداً قتل الطيور البحرية النادرة قبل تفاقم وضعها الحياتي، وتضع لها استراتيجيات وخطط عمل وإدارة. وتشكل الاتفاقات عملاً جيداً، لكن العبرة تبقى في التطبيق. وعندما يقال إن "هذه الطيور تلقح النباتات وتلك تقوم بمهمات تحريج بدلاً من الإنسان، وأخرى تأكل الحشرات والفئران والجرذان الضارة بالزراعة، وبعضها تأكل حيوانات ميتة لمنع انتشار الأمراض أو حيوانات ضعيفة كي تسمح من دون أن تدري ببقاء النسل الأفضل، أو ما يسمى "الانتقاء الطبيعي". لكن الأمر المقرف رؤية مجموعة من البشر ترتكب جرائم تضرّ بالتنوع الحيوي وهندسة الأنظمة البيئية، وتدفع بحشرات ضارة لإبادة غابات قبل أن تبيدها النيران التي تقتل كل ما يعيش فيها. يا له من إجرام يحتاج إلى ردع وإحالة الفاعل إلى مثال في قبضة الأمن تنفيذاً للقانون.
ما نتطلع إليه مع الطيور أن يصبح لدى رجال القانون حس بيئي جدي لمحاسبة خارقي القوانين البيئية، وتطبيق العقوبات بحقهم من دون السماح لتدخلات من هنا وهناك للإفراج عنهم. لقد أظهرت دراسة في بلدة حمانا ورأس المتن في لبنان أن الخدمات البيئية التي تقدمها الأجهزة البيئية في القريتين تبلغ قيمتها 18,943,233 دولاراً سنوياً، وتساهم الطيور بنسبة 30 في المائة منها، أي 5,682,970 دولارا.
وتكشف هذه الأرقام فوائد الطيور في التلقيح والقضاء على الحشرات والقوارض الضارة بدلاً من المبيدات، وزراعة الغابات والأحراج والأصول البرية للفاكهة والبذور، وتوفير جودة الغذاء للإنسان. ولا بد هنا من أن نوضح أن الطيور كانت تدل الإنسان على وجود حرائق في الغابات، كونها تحلق فوق الدخان لتأكل الحشرات الهاربة، فيسارع أبناء القرى لإطفاء هذه الحرائق بالتعاون بين بعضهم بعضا. أما اليوم فيشعل الصيادون النار لصيد هذه الطيور، لكنهم يفقدون في أحيان كثيرة السيطرة على نيرانهم التي أشعلوها لتنتشر وتأكل الأخضر واليابس في مساحات شاسعة من الغابات والأحراج والمناطق الزراعية، فيفقد الأهالي فرص الإفادة منها، ورزقهم من ثمارها، وكذلك أماكن طبيعية كانوا يقصدونها بحثاً عن الراحة والترفيه عن أنفسهم. كما يخسرون حيوانات وأعشاشاً لطيور وصغارها وقفائر نحل وأكواز صنوبر مثمرة وبلوط وخروب وسماق وتين البري وفاكهة برية يستخدمها الفلاحون لتقوية أشجارهم من خلال التطعيم. وتتسبب الحرائق بانبعاث ثاني أوكسيد الكربون وقلة إنتاج الأوكسجين وتلوث الأجواء بالرائحة والشحار. كل هذا يحصل ويندرج تحت مواصفات الجريمة البيئية. بل وأكثر.
(متخصص في علم الطيور البرية)