لا يزال الآلاف من جرحى انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020 يئنّون تحت ثقل آلامهم، ويعيشون لحظات عصيبة. مرّت ثلاث سنوات عليهم وهم متروكون لمواجهة مصيرهم، وتلقي العلاج على نفقتهم الخاصة، في وقت لم تُشف جروح معظمهم، وتركت الفاجعة في وجوهم وأجسام بعضهم ندوباً مريرة، وأطفأت نور الحياة في عيون، وتسبّبت في إعاقات حركية وجسدية لآخرين.
يتحسّر جرحى نجوا من الموت بأعجوبة، في حديثهم لـ"العربي الجديد"، على ذكريات ومحطات أطاحها هذا اليوم الأسود. يصارعون لإبقاء الأمل، ويتوقون للضحك، ويشتهون طمأنينة لا تفارق نومهم، ويرجون الشفاء. ينشدون إنصافهم سواء لتأمين طبابة وعلاج وتعويضات، أو لاستعادة وظائف طُردوا منها.
دمّرت حياتنا
يقول محمد دقدوقي، وهو أب لثلاثة أولاد كان يعمل في شركة تتخذ من المرفأ مقراً، وأصيب لدى وجوده في العنبر 12، لـ"العربي الجديد": "بُترت ساقي اليمنى من الركبة، واستُئصلت عيني اليسرى، ولا يزال الزجاج في يدي اليمنى، ولا أستطيع تحريك الكف والأصابع. يتواصل العلاج والأوجاع لا تتوقف، ويفترض أن أخضع لعملية جراحية قد تمنع استخدام يدي مجدّداً. ألازم المنزل، والدولة اللبنانية لم تساعدني إطلاقاً".
وتعبّر إيلين عطا عن جرحها النازف الذي لم يندمل، وتقول: "خسرتُ شقيقي التوأم عبدو، وأُصيب شقيقي الآخر عصام بإعاقة دائمة في ساقه. كان عصام في منزله في الطابق الأرضي وعبدو في الطابق الأول. وحين وقع الانفجار، انهار المبنى بطوابقه الثلاثة، وبقي عصام 18 ساعة تحت الأنقاض. كانت ساقه عالقة تحت الحديد ومهدّدة بالبتر، لكنه خرج بأعجوبة مع ساقه التي انقطعت أوتارها، فبات غير قادر على المشي إلا باستخدام جهاز مساعد". تضيف: "يتأزم الوضع النفسي لعصام مع مرور السنوات، علماً أن مطعمه دُمّر أيضاً".
بدورها، تقول ميرنا حبوش التي شاء القدر في يوم الانفجار أن تتجه عبر الأوتوستراد المقابل لمرفأ بيروت لشراء حليب لطفلها حين كان عمره سنة واحدة: "فجأة، صدحت أصوات مرعبة، فحاولت الهرب بلا جدوى. انتزعتُ ابني من مقعده، ولم أشعر إلا بالسيارة تضرب بالفاصل. انفجر زجاجها وأسعفنا أحدهم، ونقلنا إلى المستشفى".
تتابع ميرنا التي خسرت عينها اليمنى في حين أصيب طفلها بندوب في وجهه وأذنه وعنقه: "أجريت سبع عمليات جراحية لاستئصال زجاج من عيني ولا أزال أحتاج إلى أخرى، كما أعالج يدي اليمنى التي أصيبت بكسر وانقطعت أوتارها، لكن لم يستأصل الأطباء كل الزجاج منها، وأجريت خمسين جلسة علاج فيزيائي على نفقتي الخاصة وأحياناً بدعم من جمعيات، وقد زرتُ وزارة الصحة مرتين لكنهم أغلقوا الباب في وجهي".
التقصير أودى بحياة البعض
ويلفت أمين سر الاتحاد اللبناني للمعوقين جهاد إسماعيل إلى أنّ "الاتحاد تدخّل على مستويي الإغاثة والحقوق لدعم الجرحى في سياق تلبية المطالب ورفع الدعاوى، كما ساهمنا في تأطير عملهم ومناصرتهم، وهم باتوا قريبين من تأسيس جمعية لمتابعة قضيتهم تمهيداً لمعرفة الحقيقة وإحقاق العدالة وإنصافهم".
وفيما ينفي وجود بيانات رسمية حول عدد الجرحى، يأسف لواقع أنهم متروكون، رغم أن العدد الكبير منهم أصبح من المعوقين، وفي حاجة ماسّة إلى رعاية طبية، بينهم أربعة فارقوا الحياة نتيجة التقصير وعدم استكمال العلاج.