أثارت واقعة إجبار تلميذة في بدايات المراهقة على الحجاب في إحدى المدارس الإعدادية في مصر، جدالاً كبيراً، خصوصاً أنّ والدتها حولت الواقعة إلى قضية رأي عام كسبت تعاطفاً واسعاً في البلاد
قبل أيام، نشرت لمياء لطفي، وهي منسقة برامج في مؤسسة "المرأة الجديدة" وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، منشوراً عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تعترض فيه على إرغام ابنتها ريم، وهي تلميذة في الصفوف الإعدادية، على الحجاب في مدرستها، بحجة أنّها "مدرسة مشتركة للبنين والبنات". كان مجرد منشور عادي، قبل أن يتحول إلى قضية رأي عام، ووسم على مواقع التواصل الاجتماعي، يدوّن عليه عشرات من المستخدمين معبرين في معظمهم عن رفض فرض الحجاب في المدارس التي بدأت استقبال التلاميذ في العام الدراسي الجديد 2020/ 2021 قبل أيام.
في البداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المدارس في المحافظات الريفية المصرية، كما أولياء الأمور، قد يفرضون على الفتيات الحجاب في المدرسة، نظراً لطبيعة المجتمع الريفية، لكنّ الحجاب ليس ضمن الزيّ المدرسي الرسمي في أيّ من الأحوال.
تداول المنشور مئات الآلاف من المواطنين المصريين، إذ أشار بعضهم إلى أنّه واجه المشكلة نفسها في مدارس في محافظات ومدن مصرية أخرى، وبعضهم تضامن مع الطفلة وأمها تضامناً حقوقياً كاملاً، حتى تحوّلت إلى قضية رأي عام، وانتهت بقرار إداري بنقل إحدى المعلمات من مقر المدرسة إلى حين انتهاء التحقيقات حرصاً على عدم وقوع أيّ ضغط نفسي على التلميذة وزميلاتها، وأكدت إدارة المدرسة عدم وجود قرار أو قانون ينص على أنّ الحجاب جزء من الزيّ المدرسي، وذلك بعد تقديم شكوى رسمية إلى الإدارة التي قدمت اعتذارها مع تأكيدها على حق التلميذة في الحضور إلى المدرسة من دون غطاء للرأس باعتباره ليس جزءاً من الزيّ المدرسي.
منشور لطفي، وهو باللهجة المصرية، جاء فيه "ابنتي طفلة في الثالثة عشرة، وهي في الصف الأول الإعدادي (السادس الأساسي) في مدرسة بلبيس الرسمية للغات (محافظة الشرقية، في دلتا مصر) أثيرت ضجة كبيرة حولها بسبب ثلاث معلمات قدمن لها أربع ملاحظات مهمة تقول: الحجاب جزء من الزيّ المدرسي. ضعي الحجاب في المدرسة واخلعيه خارج المدرسة. لن نسمح لكِ بالدخول إلى المدرسة من دون الحجاب. والدتك غير موافقة، هذه ليست مشكلتنا... توصلي إلى حلّ المشكلة معها". تابعت لطفي منشورها معلقة على ملاحظات المعلمات: "هذه الرسائل تعكس المأساة التي نعيشها في مدارسنا، فهي تطلب أن نكذب بشأن الزيّ المدرسي، أو نتحامل على طفلة ونهددها ونرهبها، أو نوهمها أنّ عندها مشكلة مع والدتها عليها حلّها... ونِعم التربية والتعليم". واختتمت منشورها بوسم #الإجبار_على_الحجاب_فى_المدارس.
انتهت مشكلة ريم مع مدرستها، بعدما تحولت القضية إلى قضية رأي عام مدعومة بالقوانين نفسها، لكنّ مشكلة تلميذات محجبات يمنعن من الحجاب في بعض المدارس لم تنتهِ. في هذا الإطار، ينصّ القانون رقم 113 الصادر عام 1994 بشأن الزيّ المدرسي، في مادته رقم 10 على القرار الوزاري رقم 285 لسنة 2014، على الآتي: "المادة الأولى: يلتزم تلاميذ وتلميذات المدارس الرسمية والخاصة بارتداء زيّ موحد وفقاً للمواصفات الآتية: الحلقة الابتدائية (بنين وبنات) مريلة تيل (دريل) لجميع التلاميذ باللون الذي تختاره المديرية التعليمية. ويمكن ارتداء بنطلون في فصل الشتاء بلون موحد مناسب طبقاً لما تحدده المديرية التعليمية، ويجوز استبدال المريلة بقميص وجونلة بطول مناسب بالنسبة للبنات، وقميص وبنطلون بالنسبة للبنين، مع ارتداء بلوفر أو جاكيت في فصل الشتاء وفق ما تقرره المديرية التعليمية. وحذاء مدرسي وجورب مناسب للون الزيّ المختار". وطبقاً للمادة نفسها، وبشأن الزيّ المدرسي للمرحلة الإعدادية، فإنّ هندام التلاميذ هو "بنطلون طويل وقميص بلون مناسب، وفي فصل الشتاء يمكن ارتداء بلوفر أو جاكيت وفق ما تقرره المديرية التعليمية" والتلميذات "بلوزة بيضاء ومريلة من قماش تيل بحمالات باللون الذي تختاره المديرية". وفي فصل الشتاء يمكن أن تكون المريلة من قماش صوف كما يمكن أن ترتدي التلميذة بلوفر أو جاكيت بلون المريلة ويجوز استبدال المريلة بقميص وجونلة بطول مناسب، بالإضافة إلى حذاء مدرسي وجورب بلون مناسب للزيّ المختار. ويمكن بناء على طلب مكتوب من ولي الأمر أن ترتدي التلميذة غطاء للشعر لا يحجب الوجه باللون الذي تختاره المديرية التعليمية". أما بالنسبة للمرحلة الثانوية، فنصت نفس المادة على أنّ "المرحلة الثانوية العامة وما في مستواها (هندام) التلاميذ: بنطلون طويل وقميص بلون مناسب، وفي فصل الشتاء يمكن ارتداء بلوفر أو جاكت وفق ما تقرره المديرية. و(هندام) التلميذات: بلوزة بيضاء وجونلة تيل بطول مناسب بلون تحدده المديرية. وحذاء مدرسي وجورب بلون مناسب للزيّ المختار". ونصت المادة الثانية من نفس القرار على أنّ "على المدرسة الإعلان عن مواصفات الزيّ قبل بدء العام الدراسي بشهرين على الأقل" فيما تقول المادة الثالثة: "لا يسمح لأيّ تلميذ أو تلميذة بارتداء زيّ مخالف لما ورد سابقاً".
وتضامناً مع التلميذة ووالدتها والقضية عموماً، أطلقت "مؤسسة المرأة الجديدة" وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، حملة توقيعات بعنوان "المواطنة للجميع بالمدارس ولا للإجبار على حجاب" جاء في بيانها: "تعمدت أمس مديرة مدرسة بلبيس للغات بمحافظة الشرقية، فرض الحجاب على إحدى التلميذات بالمرحلة الإعدادية، باعتباره زياً موحداً لجميع التلميذات، لكنّ المواطنة لمياء لطفي، والدة التلميذة، ريم صلاح، أبدت اعتراضاً على إجبار ابنتها على الحجاب، ووجهت سؤالاً إلى مديرة المدرسة عن أسباب فرض الحجاب، لافتة إلى أنّ غطاء الرأس له دلالات أبعد من كونه زياً رسمياً للمدرسة، وماذا عن المسيحيات هل يفرض عليهن نفس الزي؟ لكنّ إجابة المديرة جاءت لتؤكد فرض الحجاب باعتباره زياً مدرسياً موحداً على جميع التلميذات". ولفتت المؤسسة في بيانها إلى "وجود قرار إداري سابق عن مديرية التعليم بالشرقية، حول مخالفة فرض الحجاب على التلميذات في المدارس" كما ذكّرت أيضاً بالتزام الدولة بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية للمرأة والطفل بضمان حقوق المواطنة بلا تمييز على أساس الجنس أو الدين. وبناءً عليه، تقدمت المؤسسة بطلب عاجل لجميع الجهات المعنية، بحماية سلامة المواطنة لمياء لطفي، والدة التلميذة ريم صلاح، من أيّ تشهير أو تأجيج أو متابعات غير قانونية، أو بلاغات كيدية من شأنها أن تهدد سلامة الأسرة، وتنتقص من المطالبة بالحقوق المتساوية، خصوصاً أنّ هناك حرصاً رسمياً على تحسين أوضاع النساء في المشاركة العامة والسياسية، بتسجيل نسب مرتفعة من تمثيل المواطنات المصريات بتنوعهن سواء في مراكز صناعة القرار أو في المجالس النيابية، وهو ما يفرض ضرورة دعم هذه السياسات والتأكيد على الغرض والهدف منها في توفير بيئة تعليمية داعمة للمواطنة للجميع بلا تمييز.
من جانبها، علقت أستاذة الطب النفسي، عايدة سيف الدولة، إحدى مؤسسات مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب (منظمة مجتمع مدني مصرية) وهي إحدى الموقعات على البيان المفتوح لرفض فرض الحجاب في المدارس، بقولها: "الحجاب اختيار، وبالتالي لا بد أنّ تكون صاحبة الشأن قد بلغت السن الذي يمكّنها من الاختيار وفهم هذا الاختيار". وأضافت: "القول بأهمية وضع التلميذات الحجاب لأنّ المدرسة مختلطة يشير إلى عقلية غريبة ترى أنّ من الأسهل تحجيب الفتيات بدلاً من رفع وعي وإدراك التلاميذ الذكور بضرورة احترام الآخر من الجنسين". وتابعت: "مساومة التلميذة من أجل أن ترتدي الحجاب في المدرسة وخلعه خارجها هو عبارة عن درس في النفاق والكذب، أما الحملة التي تشنها المعلمة وصديقاتها على والدة التلميذة فأقل ما توصف به أنّها قلة حياء. وأخيراً التربية في الأساس للأسرة".
تجدر الإشارة إلى أنّه وفقاً للمسح الشامل لخصائص الريف المصري لعام 2015 الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) فإن 95.3 في المائة من القرى المصرية تضم مدارس ابتدائية حكومية، و82 في المائة تضمّ مدارس إعدادية، و85 في المائة تضمّ مدارس ابتدائية وإعدادية معاً، فيما 18.2 في المائة فقط تضمّ مدارس ثانوية.