تمرّ الأيام قاسية على عيسى الخضر (أبو خالد) الذي يُقيم في مخيّم للنازحين في منطقة أطمة (محافظة إدلب). ولا يأتي يوم يكون فيه الحال أفضل من سابقه، في وقت تزداد ضغوط الحياة وتجعله عاجزاً أمام متطلبات أبنائه الخمسة، الذين هم في أمس الحاجة لأحذية شتوية تدفئ أقدامهم. وحال الخضر لا يختلف عن أحوال آلاف النازحين القاطنين في مخيمات المنطقة المحررة من محافظة إدلب شمال غرب سورية، والذين يشغل بالهم تأمين أحذية لأبنائهم بالإضافة إلى أمور أخرى. يقول لـ "العربي الجديد": "لا يمكن فصل النزوح عن الفقر وصولاً إلى الحذاء البلاستيكي الذي بات الحصول عليه رفاهية في الوضع الراهن". يضيف: "يأتي كل شتاء أصعب من الذي قبله، وخصوصاً أنّ عدد المنظمات العاملة في الشمال السوري يتقلص عاماً بعد عام من دون معرفة الأسباب. كما أن كل عام تزداد برودة الطقس حدة في ظل تراجع مواد التدفئة. الليرة التركية تنهار. كان سعر الحذاء العام الماضي نحو 5 دولارات. أما اليوم، فقد ارتفع إلى 10 دولارات. ولن يتدفأ الكثير من الأهالي هذا العام إن لم تقدم لهم المنظمات الإنسانية المساعدات الأساسية. الشتاء صعب جداً بالنسبة لسكان المخيمات".
ويوضح الخضر أن هناك الكثير من الضغوط التي تحاصره منها تأمين مواد للتدفئة، بالإضافة إلى شراء أحذية لأطفاله. ويبين أن أطفاله الخمسة في حاجة لأحذية هذا العام، وأقل مبلغ ممكن لشرائها هو 50 دولاراً، إلا أنه لا يملك هذا المبلغ. ويقول: "أنا عاطل عن العمل في الوقت الحالي. إذا لم يكن هناك منظمات تقدمها لنا، فلن أكون قادراً على تدبرها لأطفالي. ليس لدي مردود مالي ويحاصرنا غلاء الأسعار في المخيمات".
وتعد خيارات الأحذية الشتوية محدودة بالنسبة للعائلات النازحة التي تقيم في مخيمات المنطقة بسبب الدخل المحدود، ما يجعل الحذاء البلاستيكي الخيار الأفضل لناحية السعر، وخصوصاً أنها تقي أقدام الأطفال المياه والطين وإن كانت لا تدفئها. ويشار إلى أن الطرقات بين الخيام أو منها إلى المدارس غالباً ما تكون موحلة خلال فصل الشتاء، الأمر الذي يجعل التنقل صعباً.
في مخيم التح بالقرب من بلدة باتنته شمالي إدلب، يقيم الطفل محمد الخابور مع عائلته. خلال الشتاء الماضي، لم يتمكن من الحصول على حذاء شتوي بسبب ظروف عائلته المادية الصعبة. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه اضطر لارتداء خفين، وسيكون مجبراً على ارتدائهما هذا العام. ويقول: "أمضيت شتاء العام الماضي من دون حذاء شتوي أو قفازات لأن أسرتي فقيرة وغير قادرة على توفيرها لي. أطلب من المنظمات الإنسانية أن تقدم لنا المساعدة". يضيف: "كنت أذهب إلى المدرسة مرتدياً الخفين وكان زملائي يسخرون مني".
إلى ذلك، يتحدّث مدير المخيم عبد السلام يوسف عن الصعوبات التي تواجه العائلات خلال فصل الشتاء، منها توفير أحذية الشتاء للأطفال. ويقول لـ "العربي الجديد": "بالنسبة للأطفال وكيفية الحصول على الأحذية في فصل الشتاء، هناك أعداد كبيرة جداً من الأطفال ليس في مقدورها الحصول على الأحذية في فصل الشتاء، فتمضي الشتاء من دونها"، موضحاً أن "الكثير من العائلات تعاني فقراً شديداً، ليأتي فصل الشتاء بعبء كبير على رب الأسرة الذي لا يستطيع تأمين احتياجات أطفاله أو أسرته من ملابس وأحذية شتوية ومواد للتدفئة من حطب وغير ذلك. ما سبق يجعل الهموم كثيرة بالنسبة للنازحين في المخيمات، وخصوصاً في ظل الضائقة المالية التي يمر بها معظم السكان".
ويعدّ الفقر في مقدمة الأسباب التي تمنع العائلات من توفير أحذية الشتاء لأطفالها. ووصل معدل الفقر في عموم الشمال السوري إلى نحو 90 في المائة، وفق تقرير صدر عن فريق "منسقو استجابة سورية". ووصلت عائلات كثيرة إلى شفير الانهيار بسبب ذلك، وبلغت نسبتها 59 في المائة. يشار إلى أن من أولويات الكثير من الأسر النازحة المقيمة في المخيمات توفير أساسيات العيش كالخبز والطعام، وصيانة الخيام، عوضاً عن توفير حذاء شتوية لأطفالها.
بدورها، لا تملك الطفلة علا، التي تقيم مع عائلتها في مخيم قريب من مدينة الدانا بريف إدلب، حذاء شتوياً. وتقول لـ "العربي الجديد": "وعدني أبي أن يشتري لي حذاء جديداً لا تتسرب منه المياه. كان لدي حذاء العام الماضي لكنه أصبح ضيقاً وقديماً جداً وقد تمزق من طرفه. وفي الوقت الحالي، أنتظر أن يشتري لي أبي حذاء جديداً".
وإلى جانب الأحذية الشتوية، يفتقر الأطفال في المخيمات للملابس الشتوية أيضاً. ويترقب سكان المخيمات انطلاق مبادرات وحملات خلال فصل الشتاء تحت مسمى حملات الدفء. ووفق إحصاء أجراه فريق "منسقو استجابة سورية"، بلغ إجمالي عدد المخيمات في شمال غرب سورية 1489، تضم نحو مليون ونصف مليون نازح، بينها 452 مشيّدة عشوائياً. وتعرضت هذه المخيمات إلى كوارث طبيعية كثيرة، وألحق هطول الأمطار أضراراً بـ 537 مخيماً، ودمر 3187 خيمة، علماً أن عدد الخيم المتضررة جزئياً بلغ 5851.