استمع إلى الملخص
- **تطور دور المرأة في المجتمع**: موحيا أوضحت أن القوامة كانت مبررة في الماضي، لكن الوضع تغير الآن حيث تشارك النساء في العمل والإنفاق، مما يستدعي اقتسام الممتلكات بشكل متساوٍ.
- **مراجعة مدونة الأسرة**: الحركة النسائية تطالب بتحديث مدونة الأسرة لتشمل مبادئ المساواة والعدل، مع تعديل القوانين المتعلقة بالإرث والنفقة، بناءً على توجيهات الملك محمد السادس.
تتواصل في المغرب حملة من أجل إقرار المساواة في الإرث أطلقتها "فيدرالية رابطة حقوق النساء" (غير حكومية)"، في وقت دخلت فيه ورش مراجعة مدونة الأسرة (الأحوال الشخصية) مرحلة حاسمة بعدما وجّه العاهل المغربي الملك محمد السادس، في 28 يونيو/ تموز الماضي، المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة دينية حكومية تُعنى بالإفتاء) بـ "دراسة بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، استناداً إلى مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وأحكامه، ومقاصده السمحة، تمهيداً لرفع فتوى في شأنها".
تقول رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء"، سميرة موحيا، في حديث مع "العربي الجديد" اليوم الثلاثاء، إن الحملة تأتي على خلفية الخرجات الصادرة بعد الإحالة الملكية لبعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة التي لها علاقة بالدين على المجلس العلمي الأعلى، من طرف التيار المحافظ المقاوم للتغيير حول بعض مضامين المدونة التي تهم النفقة والقوامة المادية.
جدل المساواة في الإرث
تضيف:" هناك تيار يقاوم التغيير ولا يرغب في تقدم البلاد، ويريد الحفاظ على منظومة القوامة التي كان لها ما يبررها في زمن سابق باعتبار أن الرجل كانت له مسؤولية حماية نساء العائلة من زوجة وأم وإخوة قصّر، وينفق على أسرته وعلى نساء العائلة، وعلى أبويه، وكان يحميهم، ويؤدي الغرامات والديات، وفي المقابل كانت المرأة خاضعة وتابعة، ولم تكن تشتغل وتجني المال".
تتابع:" هذا ما كان يبرر أن الرجال كانوا قوامين على النساء وأسند إليهم دور الإنفاق. لكن في العصر الحالي، لم تعد منظومة القوامة تحقق العدل، وإنما الظلم على اعتبار أن النساء خرجن للعمل وأصبحن منتجات وينفقن على العائلة ويساهمن في تكوين ثروتها وكذلك في تسيير شؤون البلاد. حالياً لدينا منظومة قانونية وفقهية لا تعترف بالتطور الاقتصادي للنساء وبمساهماتهن داخل الأسرة. لذلك أطلقنا وسم "#ماجيناش_أطالبنا_بالمساواة_في_الإرث" على أساس أن المرأة تسير حالياً شؤون الأسرة مثلها مثل الرجل، وتكون في جميع مناحي الحياة وفي مواقع القرار".
وتقول: إنّ "الحركة النسائية تطالب أن تكون النفقة مسؤولية الزوجين معاً بحسب الدخل والاتفاق بينهما علماً أنه لا توجد امرأة مغربية تشتغل ولا تنفق على بيتها، وحتى النساء العاملات في حقول الفراولة بإسبانيا على سبيل المثال يسيرن أسراً ويُعِلن أزواجاً وأبناء، لافتة إلى أنّ "مساهمة المرأة في نفقات البيت لا يعترف بها القانون لذلك يتعين تصحيح هذا الوضع من خلال التنصيص بصفة تلقائية ومؤسساتية على اقتسام الممتلكات والتدبير المشترك للأموال المكتسبة خلال الزواج واقتسامه بشكل متساو في حال الطلاق مع اعتبار عمل الرعاية والعمل المنزلي مصدراً لتراكم ثروات الأسرة وللنفقة، في عقد الزواج وليس في إطار عقد منفصل".
وتوضح أن المقتضيات التي تنص عليها مدونة الأسرة حالياً بخصوص الأموال المكتسبة تواجه عراقيل كثيرة في إثبات المجهودات التي قامت بها الزوجة في تكوين الثروة، مؤكدة "ضرورة تحيين منظومة الإرث على أساس مبادئ المساواة، العدل وعدم التمييز على أساس العقيدة وبسبب الجنس، والمساواة في تقسيم الأنصبة على حسب درجة القرابة على اعتبار أن المبررات التي تحكم عملية القسمة لم تعد قائمة كما أنها تظلم المرأة".
وتلفت إلى أنه في الوقت الذي "يتحدث فيه الفقه عن استفادة النساء من الصداق والنفقة، وهو ما يبرر استفادتهن من نسب الإرث المقررة حالياً في القوانين ذات الصلة، إلا أن الصداق لم يعد كما كان في السابق، وإنما أضحى المخطوبان يدبرانه كلٌّ مع الآخر، وأحياناً هي تقتني احتياجاتها، وتعطيها لزوجها ليحضرها هدايا في يوم عقد القران".
من جهة أخرى، تطالب الناشطة النسائية بإلغاء مبدأ "لا وصية لوارث"، واحترام مبدأ إرادة الشخص في توزيع الإرث، كما تطالب بأن يظل السكن الزوجي بعيداً عن التركة، وأن يظل بحوزة الزوج ليستفيد منه الأطراف المستحقون له بالدرجة الأولى. وترى أنه "في الوقت الراهن يتعين على الفقه أن يجيب عن الإشكالات المطروحة، وأن يأخذ بالاعتبار الوضع الجديد للنساء وأنهن أصبحن منتجات ومساهمات في ثروة الأسرة والعائلة حتى لا يبقين تابعات وتحت الوصاية من طرف المجتمع والأزواج والقانون. كما يتعين أن يكون فقهاً جديداً وحيّاً وإنسانياً يأخذ بعين الاعتبار المعطيات والتحولات السوسيو اقتصادية التي عرفتها بنية الأسرة والمجتمع المغربي، وكذلك المعاناة التي تعيشها النساء، لا سيما في ما يخص الولاية وتزويج الطفلات واقتسام الممتلكات والنسب".
وخلال الأشهر الماضية، تصاعد الانقسام بين الإسلاميين والعلمانيين (الحداثيين) بسبب خلافات حول قضايا عدة موضع جدل، مثل الإرث وزواج القاصرات وتعدد الزوجات والحضانة والإجهاض.
في حين كان لافتاً تحديد العاهل المغربي، في رسالة وجّهها إلى رئيس الحكومة، في 26 سبتمبر/ أيلول 2023، حدود مراجعة مدونة الأسرة التي أكد أنها "يجب أن تقتصر على إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى عشرين سنة، وتعديل مواد لا تواكب تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية". وشدد العاهل المغربي على أن "الاجتهاد البناء هو سبيل تحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية، وأن المرجعيات والمرتكزات تظل من دون تغيير، وتتعلق بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، والقيم الكونية المنبثقة من الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب".
وعام 2004، شكّل وضع مدونة الأسرة حدثاً بارزاً باعتباره تعبيراً قوياً عن الاستجابة للرغبة في تحديث المجتمع والنهوض بأوضاع الأسرة وتحقيق توازنها، وحماية حقوق المرأة والطفل وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وإعادة الاعتبار إلى مؤسسة الزواج ومسؤولية الطرفين فيها، لكن مراجعتها أصبحت ضرورة حتمية اليوم بحسب الحركة النسائية والحقوقية في المغرب. ومنذ سنوات، تطالب العديد من الجمعيات النسائية والحقوقية في المغرب بإجراء تغيير شامل لمدونة الأسرة على خلفية ثغرات في مقتضياتها.