لا تزال حمى الضنك تشكل هاجساً للسلطات الصحية في السودان بعدما انتشرت في 9 ولايات من أصل 18 ولاية، وأسفرت عن 28 وفاة حتى الآن. ويزيد تعقيد الوضع هشاشة النظام الصحي.
حمى الضنك أحد الأمراض التي تنقلها لسعات بعوض وتبدأ أعراضه بالظهور بين 4 و10 أيام من الإصابة، وبينها ألم شديد في البطن، وتقيؤ مستمر ونزيف في اللثة والأنف، وإرهاق ونزيف تحت الجلد، إلى جانب طفح جلدي وهبوط في ضغط الدم، وصعوبة في التنفس.
وبدأ ظهورها في ولاية شمال كردفان قبل أشهر، حينها اعتبر عدد المصابين قليلاً، ثم زاد إلى 62، توفي 13 منهم، وترافق انتشار الحمى مع ندرة مستلزمات العلاج، والحاجة إلى فصائل دم نادرة، خاصة من الزمر السلبية.
لاحقاً، انتقلت العدوى إلى 9 ولايات أخرى، مع بقاء شمال كردفان الأعلى في عدد الإصابات والوفيات، وبعدها ولاية غرب كردفان المجاورة التي ضمت 971 حالة مشبوهة و43 إصابة أكيدة و6 وفيات، وولاية شمال دارفور بـ742 حالة مشبوهة، و283 إصابة أكيدة و4 وفيات. وفي ولاية جنوب كردفان، اشتبه في 87 إصابة بينما سجلت 3 وفيات، أما في ولاية كسلا (أقصى الشرق)، فبلغت حصيلة الإصابات 24 من إجمالي 227 حالة مشبوهة.
انتشر المرض بدرجات أقل في ولايات جنوب دارفور وغرب دارفور والنيل الأبيض والبحر الأحمر، فيما أحصت الحصيلة التراكمية لكل الولايات استناداً إلى تقارير أصدرتها وزارة الصحة السودانية 28 وفاة من مضاعفات المرض، وإصابة 460 والاشتباه في 3943 حالة.
وفيما يعاني السودان منذ الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، من تزايد تدهور النظام الصحي، وارتفاع فاتورة العلاج والدواء، توسع امتداد المرض.
أصيبت عائشة عز الدين، التي تعمل موظفة في وزارة الصحة بولاية شمال كردفان، مع آخرين بحمى الضنك في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتخبر "العربي الجديد": "شعرت أولاً بارتفاع في درجة حرارة جسمي ترافق مع آلام حادة في الظهر، فشخصت حالتي بنفسي، واشتريت حبوب بانادول، وحرصت على تقوية جهاز المناعة لدي بتناول فيتامين سي عبر البرتقال والليمون. وشعرت باستعادة عافيتي بعد 10 أيام، ثم عاودتني المضاعفات التي حتمت هذه المرة نقلي إلى المستشفى، حيث أمضيت يومين وسط ازدحام كبير للمرضى الذين رقد بعضهم على الأرض لتلقي العلاج. وقد ارتفعت أسعار الأدوية الخاصة بحمى الضنك، وبينها المحلول الوريدي إلى أكثر من ألفي جنيه سوداني (4 دولارات)".
وأضافت: "كانت تجربة صعبة جداً، ولازمني إحساس بالموت في أوقات كثيرة قبل أن أتعافى كلياً في الأيام الماضية. وأحد أسباب انتشار المرض ومضاعفاته الخطيرة، اعتقاد مصابين كُثر في مرحلة أولى بأنهم مرضى بالملاريا، ما يجعلهم لا يهتمون بتقوية جهاز المناعة". ووزارة الصحة في ولاية شمال كردفان تنفذ حالياً حملات توعية واسعة وأخرى موازية للقضاء على ناقل مرض حمى الضنك، وتفتيش المنازل، وتحسين الظروف البيئية من خلال رش مبيدات للبعوض باستمرار.
ويقول الناشط في مجال العمل الطوعي صباح إبراهيم، لـ"العربي الجديد": "تتحسن الأوضاع الصحية في مدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، في حين تبقى على حالها في مناطق أخرى داخل الولاية. والأرقام والإحصاءات السابقة التي أصدرتها السلطات الصحية لم تكن دقيقة، ولم تعبر عن العدد الحقيقي للأشخاص الذين أصيبوا وتوفوا، علماً أنه يندر إيجاد بيت لم يصب أحد أفراده بحمى الضنك في الأسابيع الماضية".
يتابع: "تأخرت كثيراً استجابة الحكومة وتدخلها في التعامل مع حمى الضنك التي يرجح بدء انتشارها إلى يونيو/ حزيران الماضي، ولم تعلن السلطات الصحية وجود الحمى رسمياً إلا بعدما زاد العدد بشكل كبير بمدينة الأبيض، وعجزت المؤسسات الصحية عن القيام بعملها بسبب العدد الكبير للمصابين الذين وصلوا إليها. والملاحظ أن وفيات كثيرة لم ترصد ضمن الضحايا، علماً أن المرضى قابلتهم جملة مصاعب، منها الحصول على سرير في أي مستشفى، وغلاء أسعار الدواء وندرته في ظل الظروف المعيشية الصعبة".
ويوضح أن "مساعدات قوافل الدعم الصحي التي تصل إلى مخازن وزارة الصحة لا تظهر في رفوف الصيدليات والمستشفيات"، ويشدد على "أهمية تكامل الدور الحكومي والمجتمعي للحد من انتشار المرض في كل مناطق غرب السودان، وذلك بمكافحة الناقل في الطور المائي والطور الطائر، وتجفيف البرك وردمها، وتصحيح الوضع البيئي. وكان من الضروري تسخير كل إمكانات الدولة من جيش وشرطة وعاملين في الخدمة المدنية لصالح جهود المكافحة، وإغلاق بعض المناطق للحيلولة دون وصول حمى الضنك لبقية الولايات، لكن هذه النداءات لم تجد آذاناً صاغية لدى الحكومة التي تجاهلت المرض في البداية، ورأت تضخيماً في الدعوات التي أطلقت".
وقد يتفاقم الوضع في معسكرات النازحين بدارفور وولاياتها الخمس غرب البلاد. ويؤكد آدم رحال، الناطق الرسمي باسم التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين، وهي منظمة مجتمع مدني، أن "أي جهة حكومية لم تجتهد بعد انتشار المرض في تنفيذ أي عمل احترازي لحماية المرضى، لا سيما في ظل عدم وجود مؤسسات دولة حقيقية تملك أدنى اهتمام بضحايا الحرب الأهلية الذين قضوا سنوات طويلة في معسكرات النزوح والتيه". وعموماً من حق أي مواطن سواء كان نازحاً أو مستوطناً أن ترعاه الدولة وتحميه من الأمراض، لكن سلطة الانقلاب الحالية عاجزة تماماً عن فعل شيء، لذا لن يجد المواطن حقوقه الاجتماعية في ظل هذه السلطة".
وناشد رحال المنظمات الدولية، وفي مقدمها وزارة الصحة العالمية، تقديم خدمات صحية، واتخاذ التدابير الاحترازية التي تمنع وصول حمى الضنك إلى معسكرات النزوح التي يعيش قاطنوها في أوضاع صحية سيئة، ويصابون بعدد من الأمراض، بينها سوء التغذية، ولن يتحملوا أمراضاً جديدة.