عندما غادرت حنيفة فلسطين، كانت في التاسعة، وهكذا تحمل ذكريات جميلة لم يتمكن الزمن بأوجاعه من أن يمحوها
اللاجئة الفلسطينية حنيفة مصطفى بيرقجي، المتحدرة من بلدة كويكات، والتي تقيم حالياً في مخيم برج البراجنة، بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت، تتمنى العودة إلى فلسطين، لتجلس تحت شجرة الخروب التي كانت أمام بيت الأهل، هي التي غادرتها في سنّ التاسعة. تقول لـ"العربي الجديد": "كان والدي مراقباً للعمال في الورش، وكان عمي فلاحاً، وكنا نعيش حياة عادية مثل باقي الناس. أذكر أنّي كنت ألعب مع الفتيات بالطين، وكنت أزور زوجة عمي لألعب في الأرض التي يعمل بها عمي حتى ينتهي دوام أخي في المدرسة، فقد كنت أنتظره حتى أعيده إلى البيت، رغم أنّه كان أكبر مني سنًا. أما أنا فقد سجلني أهلي في المدرسة، لكنّي خفت من الأستاذ وهربت منها، إذ كان يضرب التلاميذ، ولم أعد إليها". تلفت إلى أنّها وأهلها، لم يلجؤوا إلى لبنان في عام النكبة 1948، إذ رفض والدها ذلك، وبقوا حتى نهاية 1950 بعدما انتقلوا إلى بلدة أم الفحم، هرباً من بلدتهم التي احتلها الصهاينة. كذلك، وضعت والدتها أختها في بلدة عمقا، على يد قابلة يهودية وسمّت أختها راحيل. تضيف: "نشط أبي سياسياً ضد الصهاينة في تلك الفترة، لكنّ أحدهم أبلغ عنه بأنّه أنشأ خلية عسكرية لتحارب العدو، وبعدما علم الصهاينة بالأمر طوقوا البيت الذي كنا نسكنه، ولم يكن أبي في البيت حينها، وكانت أختي في الفرن، وأجبرونا على تركه، ومنعونا من إخراج أيّ غرض منه، لكن أخي أخرج معه طنجرة وضعها على رأسه، وخرجنا من البيت". تتابع: "عندما خرجنا من البيت كانت الباصات تصطف في الخارج لتنقلنا من البلدة، وكنا نظن أنّنا وحدنا من طُلب منهم الخروج، لكنّنا وجدنا عدداً كبيراً من الناس. عرضوا على والدي البقاء في البلدة إن وافق على العمل مع الصهاينة، فرفض وخرجنا نحو بلدة زبوبا، وبينما كنا كذلك بدأ الصهاينة بإطلاق النار نحونا. ومن زبوبا توجهنا نحو عمّان، فبقينا شهرين، وانتقلنا بعدها إلى لبنان.
وفي لبنان سكنّا في مخيم برج البراجنة في الشوادر مع عدد كبير ممن أتوا معنا من عمّان. لم يكن معنا أيّ مال لنعيش، فمرضت أمي وأختي واحتاجتا إلى مستشفى من دون أن تتمكنا من الدخول، كما أصيب عمي بالفالج. أما والدي فعمل في الزراعة والقطاف في حقول الليمون، لكنّه لم يكن يعرف ذلك العمل ولم يتمكن من الاستمرار فيه. ترك عمله وتوجه إلى ساحة النجمة في وسط بيروت، وعمل بنقل الرمل والبلاط، ثم عمل في البناء. سافر بعدها إلى قطر للعمل هناك، وعاد بعدها إلى المخيم، وفتح مع أشقائي معملاً للحجارة، منذ منتصف الخمسينيات.