لا تزال آثار الأحداث الأمنية التي شهدتها منطقة السلماني بمدينة بنغازي شرقي ليبيا في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري تلقي بظلالها على حياة أهل المدينة ومعيشتهم، خصوصاً في ظل استمرار غموض مصير كثير من المعتقلين على أيدي قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
واندلعت الأحداث إثر وصول وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني السابقة المهدي البرغثي، وهو ضابط منشق عن قوات حفتر، إلى بنغازي ليل 6 أكتوبر، إلى منطقة السلماني التي طوقتها قوات حفتر، ما تسبب في اندلاع اشتباكات مسلحة عنيفة استمرت ساعات بين هذه القوات وأنصار البرغثي، فعاش السكان تحت النيران ليلة كاملة، وبعدها حالة فزع وخوف لمدة أكثر من أسبوع بسبب الإجراءات الأمنية المتخذة.
وكان البرغثي قد عاد إلى السلماني، حيث مقر سكنه، بعد غياب سبع سنوات، استناداً إلى اتفاق حصل بين قبيلة البراغثة التي تتحدر من قبائل العواقير، وقيادة حفتر في إطار مصالحة أوجدها تصاعد مظاهر التلاحم الاجتماعي بين المدن الليبية المقسّمة سياسياً خلال أيام محنة فيضانات مدينة درنة في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي. واعتقلته قوات حفتر، في حين استمرت الاشتباكات أسبوعاً كاملاً.
ويتحدث أحد أفراد قبائل "العواقير" سليمان م. لـ"العربي الجديد" عن الأوضاع التي عاشها سكان بنغازي الذين يقدّر عددهم بنحو 850 ألفاً، ما يجعل المدينة الثانية الأكثر اكتظاظاً في ليبيا، وذات أهمية اقتصادية كبيرة باعتبارها شرياناً رئيساً للعديد من البضائع ومركزاً تجارياً مهماً، ويقول: "عشنا الأيام الأصعب على الاطلاق تحت حصار الدبابات والمدرعات، وإطلاق النار، وحملات الاعتقال التي شملت إلى أقرباء البرغثي من يسكنون في محيط بيته، وبينهم قُصر ونساء".
يُضيف: "فاقم غياب كل وسائل الاتصال ما عشناه. وحتى نحن القريبين اجتماعياً وجغرافياً من الأحداث لم ندرك كل الوقائع إلا لاحقاً، في حين كنا نخشى الهروب من المنطقة، خوفاً من أن نحسب على الفئة التي دافعت عن المهدي البرغثي".
ويؤكد سليمان أن الآثار الاجتماعية لما حصل لا تزال مستمرة، رغم أن الوضع الأمني هدأ، و"يتعلق الأمر بالمخاوف من تكرار اقتحام حرمة البيوت بعد اعتقال 35 امرأة من عائلة المهدي وأبناء عمومته. وهذا التعدي يجعل أفراد قبيلته غير مرتاحين وربما في حال استنفار".
ويرجح الناشط المدني المهجر من بنغازي عقيلة الأطرش استمرار المخاوف لدى سكان المدينة الذين لم ينسوا أهوال الوقائع التي عاشوها منذ أن سيطرت قوات حفتر على المنطقة عام 2014، وبينها عمليات الاغتيال التي تسجل عادة ضد مجهولين، أو تنسب "كذباً" إلى أعداء حفتر، وأيضاً الاعتقالات من دون إفراج، والاختفاء المفاجئ الذي طال حتى برلمانيين، وكذلك جثث القتلى التي يعثر عليها تباعاً في شارع الزيت الشهير بالمدينة، والتي لم ترشح حتى الآن أي معلومات عن فتح تحقيقات في شأنها".
وبعيداً من منطقة الاشتباكات في السلماني، أثّرت الأحداث الأمنية على حي الماجوري، ولو بدرجة أقل، بحسب ما يقول أحد سكانها س. الفاخري لـ "العربي الجديد"، مضيفاً: "لم نعلم ما حدث بعدما اندلع القتال بشكل مفاجئ، إذ انقطعت كل الاتصالات بعدما توقف القتال، ما جعل كثيرين يعتقدون بأنه على علاقة بحدث عالمي. وقد توقفت الحياة جزئياً في الأيام الثلاثة الأولى في الماجوري، في حين جرى تقييد حركة السكان بالكامل في السلماني فنشرت العزلة الخوف في شكل واسع بين الناس. وحين شجعت السلطات الناس على عيش حياتهم بشكل طبيعي، امتنع كثيرون عن فعل ذلك، وأنا منهم، ولم يرسلوا أولادهم إلى المدارس، ولم يتوجهوا إلى مقار العمل".
أيضاً أثّرت الأحداث الأمنية على أسعار سلع الاستهلاك اليومي، مثل الخضار والبيض وغيرها من المؤن الضرورية. وهو ما يعزوه الفاخري إلى خوف سائقي شاحنات النقل من دخول بنغازي. وامتدّ ذلك إلى كل مدن الشرق، علماً أن سكان بنغازي الذين أردوا الحصول على تغطية للاتصالات في شرق المدينة أو غربها تبضعوا من هناك أيضاً، ما ساهم في رفع الأسعار بسرعة".
وبعد أسبوع أعقب اعتقال البرغثي وانتهاء الاشتباكات، عادت الاتصالات الهاتفية إلى المدينة، ما فك عزلتها جزئياً، لكن تأخر عودة خدمات الإنترنت مدد العزلة العالمية وما رافقها من قلق وخسائر مادية للمؤسسات العامة ورجال الأعمال والتجار، حتى أن بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قرروا ترك المدينة والنزوح منها.
وينقل الأطرش عن نازح من بنغازي إلى طرابلس قوله إنه لم يستطع مع غيره من التجار مزاولة أعمالهم طوال فترة الحوادث الأمنية التي دفعت كثيرين إلى النزوح منها للحفاظ على أعمالهم وأنشطتهم.
ويؤكد الأطرش أن العديد من أبناء قبيلة البراغثة التي ينتمي إليها المهدي غادروا منازلهم مع ذويهم إلى مناطق مجاورة يقل فيها نفوذ حفتر، فهم يخشون على أسرهم بعدما شملت الاعتقالات نساءً وشخصيات من القبيلة.