أُصيب 27 طالباً في حادث تصادم بين قطار وحافلة تابعة لإحدى الجامعات الخاصة، بمزلقان في منطقة الحسينية بمدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، صباح أمس، ما جدد مآسي حوادث القطارات في مصر على الرغم من تباعدها زمنياً. وخلال السنوات القليلة الماضية، حرصت السلطات المصرية على تطوير منظومة السكك الحديدية، وحل أزمة المزلقانات التي كانت سبباً رئيسياً للكثير من الحوادث.
تقول الحكومة إن الهيئة القومية لسكك حديد مصر شرعت في تنفيذ خطة شاملة لتحديث وتطوير منظومتها الأساسية بكلفة إجمالية تصل إلى 200 مليار جنيه، بهدف الحد من حوادث القطارات، ومنع تشغيل أي قطار قديم على قضبان السكك الحديدية، للقضاء على حوادث القطارات بحلول نهاية عام 2024، بعد تشغيل القطارات إلكترونياً من دون الحاجة إلى تدخل العنصر البشري في تسيير حركة القطارات.
لكن نزيف الأرواح استمر على خطوط السكك الحديدية المصرية، التي شهدت حادثاً مميتاً كل عام تقريباً على مدار العشرين عاماً الماضية، وكان آخرها في سبتمبر/ أيلول الماضي، حين لقي 3 أشخاص مصرعهم وأصيب 10 في تصادم قطار مع حافلة ركاب بمحافظة الشرقية، شمال مصر. وبحسب آخر الأرقام الرسمية المعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد حوادث القطارات 978 حادثة عام 2021 في مقابل 898 حادثة عام 2020 بنسبة ارتفاع بلغت 8.9 في المائة. وبلغ عدد المتوفين في حوادث القطارات 405 عام 2021 في مقابل 296 عام 2020، بنسبة ارتفاع بلغت 36.8 في المائة. كما بلغ عدد المصابين 769 عام 2021 في مقابل 525 مصاباً عام 2020، بنسبة ارتفاع 46.5 في المائة. وأكد المركز أن حوادث القطارات التي تعتبر تبعاً للمسؤولية (مسؤولية الغير) هي أعلى سبب لحدوث حوادث القطارات، وقد بلغت 693 حادثة، بنسبة 70.9 في المائة عام 2021.
كما بلغ معدل حوادث القطارات عام 2021، بالنسبة للعدد التقديري للسكان في منتصف العام، 0.10 (حادثة/ 10.000 نسمة)، بينما بلغ المعدل بالنسبة لعدد ركاب القطارات 3.9 (حادثة/ مليون راكب). كما بلغ معدل قسوة حوادث القطارات (52.7 متوفى/ 100 مصاب)، عام 2021، بينما كان 56.4 متوفى عام 2020.
كما سجلت مصر 2044 حادث قطار عام 2018 في مقابل 1793 حادثاً عام 2017. أما في الفترة الممتدة من 2006 وحتى 2016، فقد شهدت مصر أكثر من 12 ألف حادث لقطارات السكك الحديدية. وشهدت الفترة من 2003 وحتى 2017 نحو 16.174 حادثاً بسكك الحديد. أما عام 2009، فشهد أكبر عدد حوادث بنحو 1577 حادث قطار، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ولقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب العشرات في حادث شهدته الإسكندرية، شمالي البلاد، في 22 يونيو/ حزيران 2021، بعد تصادم قطار بجرار وآخر يربط المدينة بالقاهرة. وفي إبريل/ نيسان 2021، لقي 11 شخصاً مصرعهم وأصيب 98 آخرون في حادث خروج قطار عن القضبان قرب مدينة طوخ بمحافظة القليوبية.
وفي 26 مارس/ آذار 2021، لقي ما لا يقل عن 32 شخصاً مصرعهم وأصيب 165 آخرون إثر اصطدام قطارين في سوهاج، جنوب العاصمة القاهرة، وفقاً لتصريحات حكومية. وفي 27 فبراير/ شباط 2019، لقي ما لا يقل عن 25 شخصاً مصرعهم وأصيب العشرات في حريق بمحطة رمسيس، وسط القاهرة، الأكثر ازدحاماً في البلاد، بعد اصطدام قطار بالمنصة، الأمر الذي أدى إلى انفجار خزان الوقود.
ووقع الحادث الأسوأ في تاريخ السكك الحديد في مصر في فبراير/ شباط 2002، حين أدى حريق اندلع في قطار كان متجهاً من القاهرة إلى جنوب مصر إلى مقتل حوالي 1000 مواطن.
وتأتي كل هذه الحوادث والكوارث المتعاقبة بالتزامن مع تعرض قطاع السكك الحديدية في مصر لخفض كبير في الموازنة خلال الفترة من عام 1990 وحتى عام 2016. وانخفض الإنفاق الحقيقي على سكك الحديد باستبعاد خدمة الديون، في ربع القرن الأخير بنحو 39 في المائة، وهو ما لم يؤثر على جودة الخدمة فحسب، لكن أيضاً على عدد مستخدميها مقارنة مع وسائل النقل الجماعي الخاص، كالميكروباص، وسيارات "السبعة ركاب"، وأوتوبيسات النقل بين المدن، بحسب تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وتتنصل الحكومة من المسؤولية. ولا تقتصر مبررات نقص الموارد والتطوير على الحادث الأخير أو الذي سبقه، بل هو سياسة متبعة منذ سنوات. وهذا ما أكده تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في أعقاب حادث قطار محطة مصر، وجاء فيه: "هناك ميل حكومي مستمر لإلقاء اللوم على نقص الموارد وأنه ما باليد حيلة. لكن مراجعة نسبة الإنفاق على السكك الحديدية من الناتج المحلي الإجمالي (مجموع الموارد المتاحة في الاقتصاد الوطني) تشير إلى وجود تراجع حاد في نسبة الإنفاق من 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 1990/ 91 إلى نحو 0.31 في المائة في 2015/ 16، ما يشير إلى أن الخلل يكمن في حشد الموارد و/أو ترتيب أولويات الإنفاق أكثر من مدى توافر الموارد".
وبحسب التقرير، يعتبر تراجع الإنفاق على السكك الحديدية جزءاً من سياسات أوسع للتقشف، على حساب حق عشرات الملايين في الحياة بصور مباشرة، وإن كانت أبطأ في تأثيرها من حادثة "محطة مصر".