ركام لبنان... عشرة أضعاف دمار حرب 2006

06 ديسمبر 2024
منازل تحولت إلى ركام. بعلبك 24 نوفمبر 2024 (فضل عيتاني/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، ظهرت أزمة في إزالة الركام دون خطة حكومية واضحة، مع مخاوف من أساليب غير مستدامة مثل رمي الركام في البحر، مما يهدد التنمية المستدامة.
- الحرب دمرت 48 ألف وحدة سكنية، والجهود تقتصر على إزالة الركام من الشوارع، بينما تقع المسؤولية على وزارة الأشغال والهيئة العليا للإغاثة لوضع خطة شاملة لإعادة التأهيل.
- يواجه لبنان تحديات بيئية وصحية بسبب الركام الذي يحتوي على مواد خطرة، مع تحذيرات من التخلص العشوائي ودعوات للالتزام بالمعايير البيئية وتحديد مواقع مناسبة للتخلص وإعادة التدوير.

لم يكد غبار العدوان الإسرائيلي ينحسر في لبنان، وتبدأ كثير من العائلات النازحة العودة إلى مناطقها وبلداتها، حتى برزت أزمة إزالة الركام الكبير الذي خلفته الحرب في محافظات عدة.

رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وعودة كثيرين إلى منازلهم وبلداتهم، لم تظهر أي خطة حكومية لإزالة كميات ضخمة من الركام والردم، ولا تزال الأعمال تقتصر على فتح الطرق أمام الأهالي الراغبين في تفقد منازلهم ومحالهم التجارية.
ووفق مصدر معني بالملف، تعقد السبت، جلسة لمجلس الوزراء في مدينة صور (جنوب) بخصوص آلية مسح الأضرار ورفع الأنقاض والردميات وإعادة الإعمار، وسيتم إعداد دفتر شروط على أساس خلاصة الاجتماع الذي عقد الخميس الماضي وضم ممثلين عن الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب ومجلس الإنماء والإعمار واختصاصيين وخبراء.
تكشف عضو لجنة البيئة النيابية، نجاة صليبا، لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة اللبنانية لا تمتلك خطة واضحة بشأن إزالة ورفع الردميات، وأخشى ما نخشاه أنها ستتبع المنهج ذاته في الحروب السابقة، لناحية التخلص من الركام والردميات في البحر. لذلك، يجب الضغط من أجل منع عودة لبنان سنوات للخلف، كالمعتاد. ففي حين تحرص الدول المتقدمة على اتباع خطط مستدامة، نجد العكس في لبنان، مع العلم أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقّع في إبريل/ نيسان 2022 على التعهد بالالتزام بأهداف التنمية المستدامة في كل المشاريع. يوقعون معاهدات ويطبقون خلافها". 

تسببت الحرب بدمار كلي في 48 ألف وحدة سكنية في لبنان

ووفق تقرير مشترك صدر عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وجامعتَي البلمند والقديس يوسف، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن "نتائج التقييم للدمار الحاصل في المباني وكميات الحطام في محافظتَي الجنوب والنبطية تقدّر بثمانية ملايين طن، من بينها 5.7 ملايين طن في النبطية".
بدوره، كشف الباحث في "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، أن "الحرب تسببت بدمار كلي في 48 ألف وحدة سكنية على مستوى لبنان، من بينها نحو 9500 وحدة في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تضم أكثر من 400 مبنى دمرت كلياً، وسبعة آلاف في محافظتَي بعلبك - الهرمل والبقاع، ونحو 31.500 وحدة سكنية في جنوب لبنان، كما لحق دمار جزئي بـ 32 ألف وحدة سكنية، في حين سُجلت أضرار طفيفة في 146 ألف وحدة أخرى".

دمار هائل في مساكن الضاحية الجنوبية لبيروت (إد رام/Getty)
دمار هائل في مساكن الضاحية الجنوبية لبيروت (إد رام/Getty)

من جانبه، يؤكد محمد درغام، رئيس اتحاد بلديات الضاحية الذي يضم بلديات حارة حريك والغبيري وبرج البراجنة والمريجة وتحويطة الغدير والليلكي، لـ"العربي الجديد": "لا نقوم برفع ركام المباني بالمعنى الحقيقي، وإنما فقط إزالة الركام من الشوارع ورميه فوق المباني المتضررة من أجل تسهيل المرور. المسؤولون عن رفع الركام هم وزارة الأشغال العامة والنقل، والهيئة العليا للإغاثة، ورئاسة مجلس الوزراء".
ويوضح رئيس بلدية حارة حريك، زياد واكد، لـ"العربي الجديد"، أن "قرار إزالة الأبنية المنهارة ورفع الأنقاض والركام لم يتم اتخاذه بعد، وقد تصدره وزارة الأشغال العامة والنقل خلال الأيام المقبلة. بدأنا كوننا بلدية رفع الركام الخفيف من الطرقات ومن أمام المنازل والمحال التجارية، علماً أن هذا الركام لا يحتوي على مواد سامة، ولا يشكل خطراً كالركام الضخم. أعمال رفع الركام تتم من قبل البلدية حصراً، ولا صلاحية للمواطنين بإزالتها، وهم لا يملكون القدرات المادية أو المعدات اللازمة. حجم الدمار كبير في كل أنحاء الضاحية من جراء توسع الاستهدافات الإسرائيلية، والتي اقتصرت في حرب 2006 على حارة حريك".

اكتفت البلديات بإزالة الركام من الطرقات (حسام شبارو/الأناضول)
اكتفت البلديات بفتح الطرقات. النبطية 30 نوفمبر 2024 (حسام شبارو/الأناضول)

يقول رئيس وحدة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني اللبناني، وليد حشاش، لـ"العربي الجديد"، إنهم ما زالوا في مرحلة البحث عن مفقودين تحت الأنقاض، وتقتصر العمليات الإضافية على فتح الطرقات. ويضيف: "لا قدرة حاليّاً على نقل الركام من مكان إلى آخر، كما أن عملية رفع الركام الضخم مسؤولية الحكومة بالتنسيق مع الهيئة العليا للإغاثة، وننتظر وضع خطة شاملة لإدارة وإعادة تأهيل وإعمار المرافق المتضررة، وتعميم آلية محددة لكيفية فرز وفصل الحديد عن الباطون، وجمع المقتنيات الخاصة، وتسليمها لأصحابها، وتحديد المواقع الجغرافية الملائمة للتخلص من الباطون. في حرب يوليو/تموز 2006، تم فرز الباطون عن الحديد في مطمر (الكوستا برافا) بمنطقة الأوزاعي (بيروت)، وطُمر جزء منه في منطقة الجية (جبل لبنان)".
يتابع: "حجم الكارثة الحالية أكبر، لذا ننتظر خطة شاملة للبدء بورشة عمل ضخمة، لا سيما في قرى وبلدات محافظة الجنوب. هناك تقنية علمية محددة لرفع الركام تقوم على الفرز والفحص مع الالتزام بالإجراءات الوقائية، وفي حال أكدت الجهات المختصة وجود كميات من الفوسفور الأبيض، يجب تحديد مدى تأثيرها على الحديد، وإن كان قابلاً لإعادة التدوير".
ويوضح حشاش: "نلتزم بإجراءات السلامة العامة والتدابير الوقائية عند رفع الركام لحماية عناصرنا، وحماية المواطنين من الغبار والأدخنة والغازات السامّة. نضع الكمامات ونرتدي القفازات، ونستعين عند الحاجة بأسطوانات الأوكسجين في حال كان الهواء غير نظيف، أو اضطررنا للنزول إلى حفرة، أو لاحظنا وجود غاز سام تحت الأنقاض".

منازل مهددة بالانهيار في النبطية (فضل عيتاني/Getty)
منازل مهددة بالانهيار في النبطية (فضل عيتاني/Getty)

وتكشف أخصائية الإدارة البيئية، سمر خليل، لـ"العربي الجديد"، أن "المنظمات الدولية باشرت ضمن لجنة عمل مشتركة، وضع إطار توجيهي عام سيتم تقديمه إلى المعنيين لدراسته، لكن المواطنين كانوا أسرع، وباشروا رفع الردم من دون آليات واضحة. قد تكون العمليات منظمة في بعض البلديات، وعشوائية في بلديات أخرى، غير أن كمية الردم هائلة، وأكثر بنحو عشرة أضعاف عن تلك الناجمة عن حرب 2006، إذ كانت التقديرات حينها نحو ستة ملايين متر مكعب من الردم، في حين تشير التقديرات الأولية إلى أن الكميات الحالية تتراوح بين 60 و100 مليون متر مكعب. عملية التخلص من كميات بهذا الحجم تعد أزمة حقيقية، والأولوية لاسترداد هذه الموارد وإعادة استعمال أكبر قدر ممكن منها".
وتشرح خليل أن "الردميات لا تقتصر على الباطون والحديد والبلاط ومقتنيات المنازل، بل تشمل مواد خطرة وملوثات، أولها القذائف غير المنفجرة، والتي تتطلب التدقيق من قبل وحدات الجيش والقوى الأمنية، وقد يكون هناك مواد سامة أو مواد كيميائية مثل المعادن الثقيلة، وعند وجود مستشفيات أو مؤسسات صحية متضررة، نكون أمام نفايات خطرة، وربما ما زالت بعض الجثث تحت الركام، ناهيك عن مخاطر النفايات الكيميائية والبيولوجية والإلكترونية، والحديث عن استخدام جيش الاحتلال لمادة الفوسفور الأبيض أو اليورانيوم المنضّب، ما يستدعي إجراء فحوص وتدقيق الجهات المختصة".
وتنبّه إلى وجود مواد خطرة إضافية مصنوعة من الأسبستوس أو الأترنيت، وتنشق الألياف المعدنية لها يؤدي إلى الإصابة بأمراض سرطانية أو أورام في الرئة، وأمراض في الجهاز التنفسي. لذا ينصح بأن يتخذ الأهالي والعمال الذين يرفعون الركام جميع الإجراءات الوقائية، بداية من ارتداء القفازات والكمامات والملابس التي تحميهم من التعرّض لغبار المواد الكيميائية والخطرة، كما يجب توعية المواطنين بشأن خطورتها ومضاعفاتها، وتخصيص خط ساخن للتبليغ عن وجود المواد المشابهة.

وتحذّر خليل من مخاطر التخلص من الركام في البحر، وتدعو البلديات والقوى الأمنية وجميع المعنيين إلى الالتزام بالمعايير البيئية والصحية، وتشديد الرقابة كي لا يرمي مواطنون أو سائقو شاحنات الردميات بشكل عشوائي. مشددة على "أهمية تحديد كيفية إدارة الغبار والمواد السامة في الركام، وتخصيص فرق مدرّبة لهذه الغاية، إلى جانب خطة إدارة بيئية لأي موقع محتمل لاستقبال هذه المواد، ومن المهم اختيار المواقع وفق معايير علمية، بحيث تكون بعيدة عن المياه الجوفية والسطحية، وعن المناطق السكنية".
تتابع: "تتمثل الأولوية في إيجاد مواقع قريبة تفادياً لمسافات النقل الطويلة، ومن الضروري تحديد الكميات والمساحات المطلوبة، وهل تُعدّ أملاكاً عامة أم خاصة، كون الأملاك الخاصة تتطلب الحصول على إذن مسبق، وربما يشترط صاحب الموقع دفع إيجار. لذا، من الممكن استعمال الكسارات الموجودة، وأغلبها غير مرخصة، وتمارس تعديات على البيئة، كما أن الكسارات مجهّزة بماكينات لفصل الحديد وتفتيت الباطون، وإعادة تدويره على شكل حصى لاستخدامه في تعبيد الطرق، ومن الممكن إيجاد مواقع مؤقتة ريثما تكتمل الخطة النهائية، ويتم توفير الماكينات اللازمة لإعادة التدوير. الكلفة لا تقتصر على حجم الدمار الكبير، وإنما تضاف إليها إعادة البناء والإعمار، وكل هذا سينعكس علينا بيئياً بسبب عمل الكسارات غير المرخصة، وتفاقم تآكل الجبال من خلال استغلال معامل الإسمنت لها".