رمضان الجزائر... إقبال على ارتياد المساجد في المدن والقرى
- مسجد النور في تيبازة يبرز كمثال للجهود المبذولة في تحسين البنية التحتية للمساجد، بما في ذلك استبدال السجاد وإصلاح أجهزة التبريد، بدعم من المحسنين والشباب المتطوعين.
- الاهتمام بتجهيز المساجد يمتد للمناطق الريفية، مع تنظيم مسابقات دينية وثقافية وتوفير مكان للنساء لأداء صلاة التراويح، بالإضافة إلى بث صلاة التراويح عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز الروابط الاجتماعية.
تكتسي مساجد الجزائر بحلة جديدة في شهر رمضان من كل عام، إذ تعكف اللجان الدينية ومتطوعين ومحسنين على إعادة طلائها وتجديد الأضواء والفرش، لتوفير الظروف الملائمة لاستقبال الجموع الغفيرة من المصلين، خصوصاً في صلاتي العشاء والتراويح اللتين يقبل عليهما الجزائريون من الجنسين بأعداد كبيرة.
وقبل أن يبدأ شهر رمضان، تبدأ حركة دؤوبة لتنظيف المساجد وتزيينها، وتبذل اللجان الدينية والقائمون على المساجد جهوداً كبيرة لتكون في أبهى حلة، ويتجند المتطوعون للتنظيف وتجديد السجاد، وتغيير الواجهة الخارجية من خلال الطلاء، ووضع وسائل الإنارة الملونة، وتكليف بعض الشبان المتطوعين بعمليات تنظيم المصلين، وتوجيههم في المساجد الكبرى التي تعرف توافد الآلاف من المصلين يومياً، فضلا عن تحضير مسابقات حفظ القرآن، وغيرها من النشاطات الرمضانية.
يتوسط مسجد النور مدينة تيبازة (75 كيلومترا غرب العاصمة الجزائرية)، ويقول حسان تاقزايت، عضو اللجنة الدينية للمسجد، لـ"العربي الجديد"، إنه يقوم برفقة زملائه وبعض المتطوعين بإحصاء جميع النقائص داخل المسجد، واستكمالها من خلال التنسيق مع بعض المحسنين والمتبرعين، موضحاً: "تمكنا هذه السنة من استبدال السجاد بعد قام أحد المحسنين بتولي كلفة شرائه وتركيبه، وقمنا بإصلاح أجهزة التبريد تحسبا لبعض الليالي التي قد تكون ساخنة خلال شهر رمضان، كما عملنا على تهيئة محيط المسجد، خاصة مداخله، وإزاحة كل ما يسيء لمكانته وقدسيته".
وتعد عملية تجهيز المساجد لشهر رمضان فرصة سانحة بالنسبة للمتطوعين الراغبين في الحصول على الأجر والثواب، ومن بين هؤلاء الشاب رضا الذي اعتاد أن تكون عطلته السنوية في شهر رمضان بغرض التفرغ لخدمة المسجد، إضافة إلى أداء صلاة التراويح وحضور الدروس. ويقول: "الجزائريون يرتبطون بالمساجد ارتباطاً تاريخياً قوياً، ويحاولون إظهار مدى حبهم لها عبر الحرص على جعلها في أبهى حلة، كما تساهم الدروس في التأكيد على قيمة المسجد، ومحاولة الاستثمار فيه من أجل الحصول على الثواب والأجر".
ويشهد العديد من مساجد الجزائر تنظيم مسابقات في حفظ القرآن والأحاديث النبوية، فضلاً عن مسابقات علمية وثقافية وفكرية متعددة، يتناول بعضها شخصيات جزائرية تاريخية لربط جيل اليوم بتاريخه وأصالته، وتُحضّر هذه الأنشطة قبل حلول رمضان.
وتحظى النسوة والفتيات بنصيب في تحضيرات المساجد، إذ يعمد القائمون عليها واللجان الدينية على توفير مكان لإتاحة الفرصة للنساء لأداء صلاة التراويح، فيُهيّأ جانب من المسجد لهذا الغرض، أو يُخصّص الطابق العلوي في أغلب الأحيان، وتعرف المساجد إقبالاً كبيراً من الجزائريات، ويحرص بعضهن على حضور الدروس التي يقدمها الأئمة بين صلاتي المغرب والعشاء.
ويؤكد إمام مسجد التحرير في بلدة أحمر العين مصطفى قليل أنه "يُبحَث قبل حلول شهر رمضان عن مقرئين يتمتعون بصوت جميل، ويجيدون القراءة وفقا للأحكام والنصوص الشرعية، وتتنافس المساجد في هذا المضمار".
في القرى والمداشر، يرفع سكانها سقف التحدي في كل عام ليكون مسجد القرية في أبهى حلة رغم الإمكانات القليلة والعوز الذي تعرفه هذه المناطق، فالمسجد في رمضان يكون نقطة التقاء كل الأهالي، وحتى المغتربين الذين غادروا لأسباب مهنية، والذين يعود الكثير منهم لقضاء الشهر مع أهله، وتبرز تلك المشاهد التضامن والتآزر والتعاون النابع من بساطة أهل القرى.
يقول محمد قرومي، رئيس لجنة مسجد أبو ذر الغفاري بمنطقة وادي الرمان ببلدية مناصر، لـ"العربي الجديد"، إن "المسجد يذيب كل الفوارق الاجتماعية بين سكان المنطقة، ويجعلهم يلتقون على هدف واحد هو خدمة بيت الله، والمساهمة في تنظيم صلاة التراويح، ومسابقة حفظ القرآن، كما أن نسوة القرية يتكفلن بخياطة ستائر جديدة، إضافة إلى صنع بعض الحلويات والمأكولات لإكرام الضيوف والمقرئين، كما تأتينا تبرعات مالية نخصصها لاقتناء المستلزمات الضرورية، فيما يتكفل شباب القرية بعمليات التنظيف والطلاء والإنارة، ويتكفل البعض بتوفير المياه الصالحة للشرب للمصلين، والبحث عن المحسنين للمساهمة في استكمال الأشغال في محيط المسجد".
وتنتشر في الكثير من المناطق الريفية خلال شهر رمضان عادة الإفطار الجماعي في ساحة المسجد، ومن شأن هذه العادة أن تعزز الروابط الاجتماعية بين أفراد القرية الواحدة.
وفي السنوات الأخيرة، تعرف بعض المساجد نقلة نوعية في الاحتفاء بالشهر الكريم، إذ أصبح القائمون عليها يعمدون إلى وضع كاميرات موجهة إلى المقرئ، ونقل صلاة التراويح مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة إذا كان المقرئ ذا صوت جميل، وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد من المصلين من جهة، والتعريف بالمقرئين الجزائريين والمواهب الشابة من جهة أخرى.
وهذا ما جرى مع المقرئ عبد العزيز سحيم خلال شهر رمضان الماضي في المسجد المركزي في محافظة المسيلة، إذ أصبح أشهر مقرئ في الجزائر من خلال مقاطع الفيديو التي تنقل شعائر الصلاة عبر مواقع التواصل. وتبقى لقطة القطة، التي صعدت على كتف الإمام وليد مهساس، بارزة، إذ اجتاحت العالم، وفاقت مليار مشاهدة عبر مختلف التطبيقات، وباتت من بين أشهر الفيديوهات التي صنعت الحدث خلال شهر رمضان.
ويفسر الباحث المختص في علم الاجتماع حليم مصطفى حرص الجزائريين على الاعتناء بالمساجد وتجهيزها لشهر رمضان بـ"وجود ارتباط تاريخي واجتماعي بالمساجد، إذ يعتبر الجزائريون المسجد مؤسسة رئيسية في التنشئة الاجتماعية، كما أن له دوراً كبيراً في ترسيخ القيم، والتربية الصحيحة للأفراد. إقبال المواطنين على المساجد خلال شهر رمضان يعكس الصورة الجميلة والصبغة الإيمانية لأجواء شهر الصوم التي افتقدناها مدة طويلة، فبعد أن كان رمضان في نظر كثيرين يعبر عن ارتفاع الأسعار والبحث عما يملأ مائدة الإفطار كل ليلة، بات مناسبة إيمانية اجتماعية جامعة".