رمضان قطر... "غبقة" وأضواء وفوانيس ومدفع إفطار

04 ابريل 2023
التجمعات أحد أبرز مظاهر رمضان في قطر (حسين بيضون)
+ الخط -

يتمسك القطريون بتقاليد ومظاهر متوارثة في شهر رمضان، تشمل تزيين مجالس البيوت والأسواق والمراكز التجارية والميادين بالأضواء والفوانيس والأعلام واللوحات التي ترحب بالشهر الكريم، في حين تسعى المؤسسات الثقافية والاجتماعية خلال فعالياتها الرمضانية إلى ترسيخ حضور أبرز العادات المرتبطة بشهر الصيام.
ويقول الباحث في الموروث الشعبي، خليفة السيد المالكي، إن أهل قطر يستعدون مبكراً لاستقبال رمضان، وتحديداً مع حلول منتصف شهر شعبان، حين يحتفلون بـ"النافلة"، وفيها يجتمع الصغار عصراً ليرددوا الأهزوجة المتوارثة التي تقول: "يا النافلة يا أم الشحم واللحم.."، ويطوفون على بيوت الفريج (الحي) ليمنحهم سكانها بعض "القريضات"، وهي المكسرات من جوز ولوز ونخي (حمّص)، كما يبدأ السكان في تجهيز الطحين والحبوب لاستخدامها في مختلف الأكلات الرمضانية.
و يضيف المالكي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "من بين أبرز المظاهر التي يحافظ عليها أهل قطر ضمن موروثهم الشعبي عادة (الغبقة)، وهي وليمة تؤكل عادة عند منتصف الليل، وتعتبر فرصة لتعزيز التعارف والترابط الاجتماعي، ويلتزم فيها الجميع باللباس التقليدي، ويحرصون على إبراز كل ما له علاقة بالتراث المتوارث".
وأصل لفظة الغبقة في اللغة العربية "الغبوق"، وهي عادة عربية قديمة تعني تناول الطعام في وقت متأخر من الليل، وتعدّ خلالها وجبة متوارثة اسمها "لِمحَمَر"، وهي مكونة من الأرز المطبوخ بخلاصة التمر مع سمك الصافي المقلي. وظلت هذه الوجبة متربّعة على مائدة "الغبقة" حتى ستينيات القرن الماضي، لينضم إليها لاحقاً العديد من الأطباق الأخرى.
وتجمع الغبقة الأهل والمعارف على الطعام، وثمة "غبقة" خاصة بالشباب، وأخرى يحضرها الكبار، كما أن للنساء غبقتهن، وقديما كانت تلك العادة محصورة بالأهل والجيران، لكن مع تغير طبيعة المجتمع أصبحت تتخذ أشكالاً متعددة، فأصبحت تقام في المجالس بحضور الأصدقاء والمعارف.
وخلال السنوات الأخيرة، اهتمّت الفنادق والمطاعم في قطر بهذا التقليد الرمضاني، وباتت "الغبقة" موجودة في الخيام الرمضانية، كما وجدت الشركات والهيئات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني فيها فرصة لتعزيز العلاقات بين منتسبيها، وكسر الهوة بين المسؤولين والعاملين عبر جلسات بعيدة عن أجواء العمل، في حين يحرص القائمون على إفطارات الفنادق والخيام على وجود بعض الألعاب الشعبية، أو إقامة مسابقات مع تقديم جوائز للفائزين، إضافة إلى إحياء الأغاني الشعبية والفلكلورية.

مدفع رمضان عادة تراثية في قطر (حسين بيضون)
مدفع رمضان عادة تراثية في قطر (حسين بيضون)

قبل حلول الشهر الفضيل، ينصب مدفع الإفطار في عدة مواقع تراثية أو حضرية، وينطلق معلنا نهاية الصيام قبيل أذان المغرب منذ اليوم الأول حتى نهاية الشهر، ويؤم هذه المواقع مواطنون ومقيمون يصطحبون أطفالهم وأسرهم لمشاهدة إطلاق المدفع لقذيفته نحو مياه الخليج العربي. ويطلق القطريون على قذيفة مدفع رمضان اسم "الواردة"، ويتزامن وقت إطلاقها مع صوت المؤذن، وفي السابق، كانت تتيح للذين تتواجد بيوتهم بعيداً عن أماكن المساجد معرفة موعد أذان المغرب، وذلك من أجل التحقق والتيقن حرصاً على عدم ضياع فريضة الصوم.
بعد منتصف الليل، يخرج "المسحر" ضاربا على طبلته، ليوقظ الناس لتناول وجبة السحور، وحالياً يقتصر ظهوره على عدد من المواقع، من بينها "سوق واقف" و"ميناء الدوحة"، بهدف إحياء هذا الموروث الذي بات دوره هامشياً نتيجة التطور الحضاري والمجتمعي.
وحول الأكلات التي تتشكل منها موائد القطريين الرمضانية، تقول الباحثة المتخصصة في الاستدامة، ميرفت إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن "الأكلات الشعبية ما زالت تتصدر المائدة الرمضانية، وخاصة الثريد والهريس، وطبق الثريد مكون من الخبز المغموس بالمرق، إذ يقطع خبز الرقاق إلى قطع صغيرة، ويصب عليها المرق، ويقلب، ثم يوضع فوقه اللحم أو الدجاج، أما طبق الهريس فيتكون من حبوب القمح الكاملة التي يتم طهيها مع أطيب أنواع لحم الضأن، كما تزين عدد من الحلويات الشعبية الموائد الرمضانية القطرية، ويأتي في مقدمتها (الخنفروش) و(اللقيمات) و(البثيثة)، إلى جانب أنواع الحلويات الشرقية الأخرى كالكنافة والقطايف وغيرها".

الإضاءة والزينة مختلفة في رمضان (حسين بيضون)
الإضاءة والزينة مختلفة في رمضان (حسين بيضون)

وتوضح الباحثة أن "المرأة القطرية تبدأ مع بداية شهر رمضان توزيع الأكل على الجيران، وذلك قبل موعد الأذان بساعة تقريباً، كما تحرص على التجمل بانتقاء لباسها التقليدي، وارتداء الثياب المرصعة بالفصوص والزينة والزخارف والألوان المبهجة، إضافة إلى التزين بالحناء، وكلها من العادات والتقاليد المهمة في التراث القطري".
التقليد الرمضاني المتوارث يحييه سكان قطر، كما غالبية سكان دول الخليج، ويُطلق عليه القطريون "القرنقعوه" بينما الاسم مختلف قليلاً في بلدان أخرى، وهو احتفال ليلة النصف من رمضان، وفيه تحضّر الأسر الحلويات والمكسرات، وتتجهز لاستقبال الأطفال الذين يجوبون شوارع الفريج، ويطرقون الأبواب، وهم يغنون أهزوجة المناسبة الفلكلورية المتوارثة، والتي تقول كلماتها: "قرنقعوه قرقاعوه. عطونا الله يعطيكم. بيت مكة يودّيكم. يا مكة يا المعمورة. يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة"، طامعين بالحصول على نصيب وافر من الحلويات والمكسرات.
ويوضح خليفة المالكي أن "القرنقعوه فرحة ينتظرها الكبار والصغار، وهي مناسبة اجتماعية لتشجيع الأطفال على صيام الشهر، وتتم خلالها مكافأتهم بالمكسرات والحلويات، قبل أن تتم مكافأتهم مرة أخرى في نهايته على إتمام الصيام بمنحهم العيدية".

ويحرص غالبية المسلمين من سكان قطر، رجالاً ونساء، على أداء صلاة التراويح في جماعة، وخصصت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هذا العام، 2150 مسجداً في المدن والمناطق لأداء صلاة التراويح، والتي تقام بعد صلاة العشاء، وتعد من أبرز السنن النبوية خلال شهر رمضان.
وفي الشهر الكريم، تقيم المؤسسات الخيرية، وفي مقدمتها جمعية "قطر الخيرية" والهلال الأحمر القطري، موائد إفطار جماعية مجانية، إذ تنصب الخيام الكبيرة المجهزة في المواقع القريبة من تجمعات العمال، وتقدم داخلها وجبات إفطار لآلاف العمال يومياً.
وتقيم المؤسسات الثقافية برامج وفعاليات خاصة بشهر الصيام، وتحرص المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" في فعالياتها على ترسيخ أبرز العادات والتقاليد المرتبطة بشهر الصيام، وفي صدارتها مدفع رمضان، والمسحراتي، إضافة إلى منافسات بطولة رمضانية للشطرنج، ومسابقة "متحف طوابع البريد العربي"، وفعالية "قصص الراوي". 
وأطلقت وزارة الثقافة للعام الثاني "معرض رمضان للكتاب"، بمشاركة 48 دار نشر ومكتبة قطرية، و31 دار نشر من 14 دولة، هي السعودية، وتركيا، والكويت، ومصر، والأردن، والعراق، وسورية، ولبنان، وتونس، والجزائر، وكندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا. ويشهد المعرض عدداً من الأنشطة والفعاليات، من بينها المجلس الرمضاني الذي يستقطب شخصيات عامة لتسرد حكايات من تاريخها وإنجازاتها، إضافة إلى سلسلة ندوات ثقافية ودينية، ومجموعة من العروض المسرحية، والفعاليات المخصصة للأطفال.

المساهمون